/صفحة 234/
ثم تستنهض الآية هممهم، وتستعجل منهم النظر والاستدلال مخافة حلول الأجل، ومخافة الفوات بالموت، " وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، فبأي حديث بعده يؤمنون ".
وعظتنا من هذا أن يسارع المؤمن إلى التخلص من ذنوبه وآثامه، وإلى مغفرة ربه ورضوانه، فإنه لا يدري متى ينزل به القدر، وتطوي عليه الحياة.
ثم تعرج السورة على تقرير الحق في وقت الساعة التي ينهمكون في السؤال عنها " قل إنّما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفى عنها قل إنّما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فتبين أنها غيب لا يدخل العلم بها في مهمة الرسالة وهي الإنذار بعذابها، والتبشير بنعيمها " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ".
* * *
وتتجه السورة بعد هذا إلى شخص الرسول، وترسم له طريق معاملته للخلق على وجه يقيه شر الحرج والضيق الذي كان يتعرض له من جراء موقفهم منه ومن دعوته، وتأمره بهذا الدستور الخلقي العظيم، وهو توجيه وأمر إلى كل من يخلفه في الدعوة إلى الله " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " تأمره باللين وترك الغلظة، وتأمره باللطف والرفق: خذ من الناس السهل اللين، ولا تكلفهم مالا يطيقون، ولا تحرجهم بما يضيقون " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ".
وترشده إلى الأمر بالعرف، بيانا لما تعارف عليه العقل والشرع، وتأمره بالإعراض عن الجاهلين فيما يبدر منهم من أنواع السفاهة والإيذاء، وهذا هو شأن الربانيين. " وإذا مروا باللغو مروا كراما " " والذين هم عن اللغو معرضون ".