/صفحة 233/
صاحبهم الذي نشأ بينهم وعرفوه بالعقل والحكمة، والصون والأمانة وسداد الرأي، وظل معروفا بخلال العقل الراجح إلى أن بلغ الأربعين لم تعرف عنه كلمة نابية، ولا هنة صغيرة وأنه هو الذي دعاهم إلى التوحيد وتزكية النفوس، وإلى الإيمان بالبعث والجزاء وليس معقولا أن يظل معروفا فيما بينهم هذا العمر الطويل بالعقل والحكمة ثم يصاب بالجنون بين عشية وضحاها لا لشيء سوى أنه يدعوهم إلى التوحيد وإلى ما يطهرهم ويزكيهم " أو لم يتفكروا ؟ ما بصاحبهم من جنة " " نون والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون " " والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وماغوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى " " إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثَمَّ أمين، وما صاحبكم بمجنون " فلا تبتئس، ولا تحزن " ولا تك في ضيق مما يمكرون "؛ فتلك عادتهم، وتلك عادة أسلافهم مع إخوانك المرسلين، ولابد أن يقال لك ما قيل لهم من قبلك؛ فطمئن نفسك ولا يضق صدرك، ولك من إخوانك السابقين خير قدوة " فبهداهم اقتده " " كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقو بأسنا"
وليس من عجب بعد هذا إذا رمي أرباب الشهوة والهوى في كل زمان دعاة الخير والمصلحين بالتهور والجنون. والخروج عن حد الاعتدال فإنه سلاح سهل ميسور يلجأ إليه المفسدون وقد أعيتهم الحجة، ومقابلة الدليل بالدليل.
فعلى المصلحين ألا ييئسوا ولا يحزنوا، وليصبروا كما صبر أسلافهم من الأنبياء والمصلحين.
ثم توجه إليهم السورة شديد التبكيت على إهمالهم النظر في دلائل الوحدانية التي يدعوهم إليها. وفي كل شيء " وكثيرا ما حث القرآن في سبيل التوحيد على تدبر الكون علويه وسفليه، بسيطة ومركبه، وما أودع فيه من أسرار وحكم تدفع بالعقل إلى الإيمان بأن للكون مصورا قد أفاض عليه الوجود، وبه كان بحق هو المعبود.