/صفحة 232/
بمثل الذي أوتي الآيات فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض تجاوباً مع طبيعته المتأبية على الخير، اللاصقة بالفساد والشر.
***
ثم أخذت السورة بعد هذا في تبكيتهم على موقفهم من الرسول ومن دعوته في التوحيد والبعث. وترد موقفهم هذا إلى إهمالهم قضية النظر في صاحب الرسالة، وقضية التفكير فيما يدعوهم إليه: أهملوا التفكير في صاحب الرسالة، وتناسوا أنه صاحبهم الذي نشأ فيما بينهم ورموه بالجنون، تخلصا من الإيمان به والاستماع إليه، وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. وأهملوا النظر في شأن ا لكون وما يدل عليه وأشركوا بخالقه ما لم ينزل به سلطانا ومالا يخلق شيئا وهم يخلقون وندّدوا بالساعة فسألوا عنها متهكمين مستهزئين " يسألونك عن الساعة أيّان مرساها " فتوجه السورة إليهم فيما يتعلق بالرسول " أو لم يتفكروا ؟ ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ".
وقد كان الرمي بالجنون هو أول سلاح يجرده القوم المكذبون في وجوه الرسل، وقصه القرآن عن قوم نوح لنوح " ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين " وحكاه عن فرعون لموسى " إذْ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، فتولى بركنه، وقال ساحر أو مجنون. . . إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " وحكاه عن جميع الأمم التي كذبت رسلها " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون ".
وإذا كان الباطل متشابه الصور والألوان، والقلوب المنكرة ذات معدن واحد في كل الأمكنة والأزمان فليس بدعا أن يقول قوم محمد لمحمد: " إنك لمجنون ".
وقد رد القرآن عليهم فحاكمهم إلى معرفتهم بمحمد منذ الصغر وإلى أنه