/صفحة 231 /
وللَّلى، والتحريف، والكتمان، والتآمر، وغير ذلك من الأخلاق والأعمال التي تدل على الأصالة في التمرد والعصيان. والعراقة في الكفر والطغيان.
تذكر السورة كثيراًُ من مواقف هؤلاء مع نبيهم موسى، وما أصابهم من العواقب السيئة، كما تذكر فرعون وتكذيبه وتحديه وما حاق به، كل ذلك تضعه أمام أعين المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، لتخوِّف بالعذاب الدنيوي الذي يحل بالمستكبرين، كما خوفت بالعذاب الأخروي في عرض المشاهد التي ساقتها عن أهل الجنة وأهل النار وأصحاب الأعراف وغير ذلك.
وبهذا وذاك استكملت السورة ناحيتي التحذير والتخويف، فخوفت بالمصير الدنيوي، وخوفت بالمصير الأخروي، وجلَّت الخطر الذي يتربص بالمكذبين تجلية عظمى ليس بعدها عذر لمعتذر !.
ثم ختمت السورة هذا العرض لمصائر الأمم التي كذبت رسلها، بمثل ضربته لأهل الجحود والجمود الذين لا تجدي معهم الموعظة، ولا تثمر فيهم النصيحة، فقالت:
" واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا آياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ".
ومن حسن التناسق أن هذا المعنى الذي ختم به ذلك العرض التاريخي لمصائر الأمم المكذبة، قد جاء أيضاً في ابتداء الكلام حيث يقول الله تعالى قبل قوله " لقد أرسلنا نوحاً ":
" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون".
فهذه الآية تقرر أن الأمر أمر معادن وطبائع، فما كان معدناً خبيثاً فلا ينضح إلا بالخبيث، وما كان معدناً طيباً فلا ينضح إلا طيباً، وهي شبيهة