/صفحة 230/
من مواقف أهل الكفر والتكذيب حين يرون العذاب، وحين تحيط بهم أعمالهم فلا يستطيعون الفرار من تبعاتها، ويدركهم الندم فيعترفون بذنوبهم، ويشهدون على أنفسهم أنهم كانوا كافرين.
ولعل القراء يذكرون ما قلناه من قبل أن نعرض لهذا التصوير القرآني لمشاهد يوم القيامة، وهو أن هذا التصوير يراد به التخويف من عاقبة الكفر ومصير الكافرين في الآخرة، وأن السورة كما خوَّفت بهذا؛ خوفت أيضاً بمصير الكافرين المكذبين في الدنيا، فجاء فيها قوله تعالى:
" وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون، فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ".
وجاء فيها استعراض تاريخي لما كان بين الرسل وأقوامهم، وما صار إليه أمر هؤلاء الأقوام بعد تكذيب الرسل، والخروج على أمر الله، ويبدأ ذلك من قوله تعالى في الآية التاسعة والخمسين من هذه السورة:
" لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون، أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون، فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين ".
ويستمر هذا العرض التاريخي لمشاهد النضال والدعوة من الرسل، ومشاهد الكفر والتكذيب من المرسل إليهم، وعواقب هذا التكذيب التي حلت بالمكذبين، فتذكر السورة " عاداً " وأخاهم " هوداً " و" ثمودَ " وأخاهم " صالحاً " و" لوطاً " وقومه و" شعيباً " وقومه، وتفرد بعد ذلك نحو سبعين آية لتاريخ " موسى " و" بني إسرائيل "، وكم عني القرآن بتاريخ (بني إسرائيل) وبيان ما لهم من ماض عريق في الإفساد والتكذيب والتلاعب والعبث بالآيات