/صفحة 190/
والاحتفاظ بالوقت والجهد في غير هذا الهراء المنبث في ثنايا المراجع النحوية المطولة حتى لا تكاد تبرأ منه صحيفة. وما سردته من أمثلته ليس إلا قطرة لا تعدو أن تكون واحدة من غَدَقٍ هَطَّال.
وإليك مشكلة أخرى هي مشكلة التعارض بين النحو والعلوم اللغوية الأخرى كعلوم البلاغة ومتن اللغة وأصولها. . . إن هذه العلوم كلها متفرعة من أصل واحد لغاية واحدة؛ هي: الفهم والإفهام من أقرب غاية، وبخير وسيلة للأداء. وإن شئت فقل: إنها روافد تنبع من أصل واحد، وتتلاقي عند مصب واحد؛ لقصد مُعيّن. فلا يصح أن تتعارض أو يُعوّق بعضها بعضا. لكن النحو في كثير من مسائله لا يخضع لهذا القانون الطبيعي السليم، بل تراه يخرج عليه في كثير من قواعده خروجا عنيفا لا مسوغ له، ولا خير فيه، واليك بعضا من ذلك:
1 ـ قال الأشموني في باب النعت عند شرح بيت ابن مالك:
ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا
(تنبيهان: الأول وقوع المصدر نعتا وإن كان كثيراً لا يطرد. . . )
وجاء في الحاشية ما نصه: " قوله لا يطرد " أي بل يقتصر على ما سمع منه. . . ولى في المقام بحث، وهو أنهم كيف حكموا بعدم الاطراد مع أن وقوع المصدر نعتاً أو حالا، إما على المبالغة، أو على المجاز بالحذف إن قدر المضاف، أو على المجاز المرسل الذي علاقته التعلق إن أُوِّل المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول، وكل من الثلاثة مطرد كما صرح به علماء المعاني. اللهم إلا أن يُدعَّي اختلاف مذهبي النحاة وأهل المعاني، أو أن المطرد عند أهل المعاني وقوع المصدر على أحد الأوجه الثلاثة إذا كان غير نعت، أو حال كأن يكون خبرا نحو زيد عدل فتدبر) اهـ.
ولنا أن نسأل الشارح: ـ كما سألناه من قبل في مناسبة أخرى ـ كيف يكون وقوع المصدر نعتا في كلام العرب كثيرا، ومع كثرته لا يَطَّرد ؟ كما نسأل الصبان صاحب الحاشية كيف تبيح وقوع المصدر نعتا بتأويل المجاز ؟ أكان العربي الذي