/صفحة 173 /
الظباة فيهما نفوس كثير من جلتهم، فما ضعفوا وما استكانوا، ودأبوا على جلادهم ولم تلن عريكتهم عسى أن يستدركوا ما فات سلفهم، وذلك عند ما تواتي الفرصة، ويحين الأوان، ففي الماضي جروح لم تندمل، فما ينبت منهم ماجد إلا وهو ملتهب حقدا على العباسيين الذين مزقوا آباءهم أشلاء، وأزمعوا على التضييق على ذراريهم حتى لا يظهر منهم من ينافسهم، ولكن الإعنات لا يلد إلا شرا.
3 ـ الحسين الحنسي:
هو الحسين بن علي بن الحسين المثلث بن علي بن أبي طالب. ضاق ذرعا بما يلاقي ومن معه في المدينة من إجحاف الولاة بهم، بينما يلمس من عامة الشعب التبجيل لهم، والاستشراف إلى تبوئهم مقام الخلافة، فأعد للأمر عدته بعد أن بايعه عامة الناس على كتاب الله وسنة رسوله، ناقضين البيعة العباسية، فقام بطلب الخلافة سنة 169 هـ، في عهد الهادي، وانتهز فرصة الحج، فخرج بجمعه إلى مكة المكرمة يقابل الوفود القادمة من كل صوب، وقد شعر بذلك العباسيون فتوجسوا خيفة من العاقبة، وقد حج منهم في ذلك العام عدد كبير، فيهم محمد بن سليمان بن علي، فكتب الهادي إليه أن يتولى قيادة الحرب، وألا يدخر مجهوداً في سبيل القضاء على الحسين ومن معه، والتقي الفريقان في فخ " واد بمكة " يوم التروية، وقامت الحرب على ساقها، وتشتت جيش الحسين، فقتل الحسين وجمع معه، وبقي قتلاهم ثلاثة ايام حتى أكلتهم السباع، وأسر عدد كبير منهم، وأرسل راس الحسين إلى الهادي مع الأسرى، غير أن الهادي حزن عند ما رأى رأس وقال: كأنكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت، وقد فر من هذه الموقعة رجلان لهما شأن في التاريخ بعد، هما: يحيى بن عبد الله، وإدريس بن عبد الله أخوا محمد (النفس الزكية) أما يحيى فذهب إلى الديلم، وأحدث بها ثورة ظلت قائمة تحت سلطانه إلى أيام الرشيد، وتمت له البيعة، فاحتال عليه ببذل الأمان له على يد الفضل بن يحيى البرمكي، وإن خاس الرشيد به بعد، وأما إدريس فإنه اتجه إلى المغرب وكون بها دولة الأدارسة التي ضعفت العباسية عن القضاء عليها (172 ـ 313 هـ).