/صفحة 172 /
ارتاع أبو جعفر من ذلك. فاستصرخ ولي العهد عيسى بن موسى بن المدينة ـ بعد أن شفى غليل المنصور هناك ـ أن يسرع في الوصول للبصرة، ويقضي على إبراهيم كما قضى على أخيه من قبل، غير أن إبراهيم قد حبب إليه رجاله السير إلى الكوفة مهبط الشيعة، فسار حتى نزل باخمري " قريبة من الكوفة " مقابل جيش عيسى ابن موسى، فالتحم الجيشان، ودارت الدائرة أولا على جيش عيسى، غير أن الحال تبدلت ثانية وكثرت القتلى والجرحى في جيش إبراهيم حتى وصل إليه العدو فقتلوه وحزوا رأسه لخمس بقين من ذي القعدة سنة 145 هـ، ولذا كان يلقب قتيل " باخمري " ولما بلغ المنصور اطمأن قلبه وتمثل بقول معقر البارقي:
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
ثم أرسلوا إليه رأسه، وقد غلبته العبرة عند رؤيته، ولكن بعد أن نفذ سهم القضاء.
يا لله ! كم يوماً بين مصرع الأخوين الكريمين ؟ قتل الأول في 14 من رمضان، والثاني في 25 من ذي القعدة في السنة نفسها، والمآسي المقترفة مع الأول من قتل وذبح وفصل راس وطواف به وبعثه إلى المنصور، كررت مع الثاني على هاتيك الصور تماما، لله في ذاك حكمته " ولو شاء ربك ما فعلوه ".
لم يجف دموع الباكين على محمد، ولم يفرغوا من عويلهم عليه حتى تفجأهم أحزان إبراهيم التي هاضتهم وفلقت أكبادهم، وقد رثاه كثيرون كما رثوا أخاه، وسأكتفي بالإشارة إلى مرثية غالب بن عثمان الهمداني ومطلعها:
وقتيل باخمري الذي نادى فأسمع كل شاهد
وأكتفي به لأن له فضل سبق في مراثي محمد كما أشرنا إليها هناك، على أن له مرثية في الأخوين الكريمين معا، مطلعها:
كيف بعد المهدي أو بعد إبرا هيم نومي على الفراش الوثير (1)
إن هاتين الحادثتين المروعتين لم توهنا عزيمة الحسينين، وإن سالت على حد

ــــــــــ
(1) مقاتل الطالبين ص 384، 385.