/صفحة 163 /
قال له سوادة ابن أخيه: إنك تقوى. قال: وما الإقواء ؟ قال: تقول جذامُ والشآمي. فقال: أدركت خطئى، ولست بعائد(1).
بل ربما عيّ أحدهم بالقافية المنشودة: طلبها فندت عنه، وامتنعت عليه، فعمد إلى أخرى توازنها، ولكن ليست بها، فأدخل عليها من التغيير في لفظها ما يجعلها سواء والقافية التي يريد، كأنه يرى أن هذا أهون شأنا، وأخف تبعة من مجئ القافية على غير ما ينبغي أن تجئ عليه، كالراجز الذي يقول:
قُبحت من سالفة ومن صُدُغْ (2)
كأنها كُشية ضب في صُقُعْ (3)
أراد صقع بالعين، فأبدل منها غينا(4).
ولم تكن غيرتهم على الوزن، ولا استمساكهم به، دون غيرتهم على القافية، ولا استمساكهم بها، فالشاعر في سبيله، يستحل الضرورة ويلجأ إليها؛ فيقصر الممدود، ويمد المقصور، ويصرف الممنوع، ويمنع المصروف، ويحرك الساكن، ويسكن المتحرك، وهكذا. بل إنه في سبيل الحفاظ على وحدة النغم الخاصة، التي يقيم عليها القصيدة، لا في سبيل وحدته العامة التي يقوم عليها البحر كله ـ إنه في هذه السبيل قد يغير من بنية الكلمة بما يجعلها تؤدي النغم على الوجه الذي يتفق مع نظيره في الأبيات الأخرى، كالذي صنع منظور بن مرثد الأسدي إذ يقول:
إن تبخلي يا جمل أو تعتّلي
نُسل وجد الهائم المغتلّ
ببازل وجناء أو عيهلّ
فالعيهل في الأصل مخففة اللام، لكن الشاعر شددها ليبقى على الوزن نمطه الذي جرت عليه سائر الأبيات. قال ابن سيدة: " شدد اللام لتمام البناء، إذ لو قال
ــــــــــ
(1) الشعر والشعراء: 227، والموشح: 59.
(2) السالفه: سفحة العنو. صدغ، بضم الذال: لغة في صدغ بسكونها، وهو ما بين لحاظ ا لعين والأذن.
(3) كشبه الصب: أصل ذنبه. والصقع، بالعين: الناحيه.
(4) انظر سر صناعة الإعراب: 1: 348، وللسان: (صقع، وصدغ).