/صفحة 162/
عليه نتيجة. وها نحن أولاء لا نعرف لهذا المثال ثانيا. ويغلب على الظن أن ليس له ثان، ولكنا نعرف أن العرب كانت تعني بالقافية، وتحافظ على سلامتها من العيوب، ما وسعتها المحافظة. ذكرت ذلك في شعرها، وفخرت به، فيقول جندل الطهوي:
لم أُقو فيهن ولم أساندِ
ويقول ذو الرمة:
وشعر قد أرِقت له غريب أجنبه المُساند والمُحالا (1)
ومن وقع منهم في عيب من عيوبها، فهو فيما نرجح عن غفلة أو سهو، لا عن قصد أو تعمد، حتى إذا نُبه تنبه، وحاول أن يتدارك ما فاته بالإصلاح والتقويم، ما وجد إليه السبيل. وربما قطع على نفسه عهدا ألا يعود إلى ما تورط فيه، كالذي كان من النابغة الذبياني حين قدم المدينة على الأوس والخزرج، فأنشد داليته المشهورة:
من آل مية رائح أو مغتدي عجلان ذا زاد وغير مزوّد
وهي قصة متداولة مشهورة (2). وكالذي كان من بشر بن أبي خازم (3)، حين أنشد قصيدته:
أحق ما رأيت أم احتلام أم الأهوال إذ صحبي نيام ؟
فلما وصل إلى قوله:
ألم تر أن طول الدهر يُسلي وينسى مثل ما نسيت جذامُ ؟
وكانوا قومنا فبغوا علينا فسقناهم إلى البلد الشآمي

ــــــــــ
(1) البيان والتبيين: 1: 139. والإقواء: اختلاف حركة الروي بكسر وضم. والسناد: اختلاف ما يراعي قبل الروي من الحروف والحركات. وليس هذا مقام بيان أنواعه.
(2) انظر الموشح: 39.
(3) شاعر جاهلي قديم، والقصيدة في المفضليات: 329، وقد نظر شوقي إلى أول بيتي الشاهد، إذا يقول في مطلع سينيته المشهورة:
اختلاف النهار والليل ينسى اذكرا لي الصبا وأيام أنسى