/صفحة 161 /
ألا ترى إلى الجماهير في هتافها وأهازيجها كيف يصطنعون التقفية، ويؤثرون النغم ؟ بل ألا ترانا كيف نغني حتى في المقامات التي لا يظن أن تكون مجال غناء وتطريب: النائحة في نواحها، والعامل في عمله، والبائع مع سلعته، حين يشيد بها ويدعو إليها.
فالشعر الموزون المقفي صدى الطبيعة التي فطرنا عليها، ونفحة من نفحات البيئة التي نبتنا فيها. وهو حقيق أن يحيا بيننا أبدا، إذا قدر له أن يموت عند الآخرين.
صحيح أن أبالحسن الأخفش يروي هذا الشعر، ويقول: " والذي أنشده أعرابي فصيح، لا يحتشم من إنشاده "، وهو:
ألا قد أرى إن لم تكن أم مالك بملك يدي أن البقاء قليل
خليلي سيرا واتركا الرحل إنني بمهلكة والعاقبات تدور
رأى من رفيقيه جفاء وغلظة إذا قام يبتاع القلاص دميم(1)
فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جمل رخو الملاط نجيب ؟ (2)
وهو كما ترى شعر غير مقفي، لم يكتف الشاعر بإطلاقه من القافية حتى باعد فيه بين حروف الروي، فإذا منها اللام والراء والميم. ولكن متى كان الشاذ أصلا تقوم عليه القواعد، وتدور حوله المسائل والفروع.
إن الشاذ في كل شيء ينبذ جانبا، ثم لا ينظر إليه، ولا يعول في شيء عليه. وقد يشار إليه في العرض وحين التفصيل، ولكن دون أن يكون له أثر، أو تترتب

ــــــــــ
(1) القلائص، جمع قلوس، وهي الشابة من النوق؟ بمنزلة الجارية من النساء.
(2) يشري: يبيع. الملاط: الجنب. رخو الملاط: سهلة، وقيل الملاط: مقدم السنام، وقيل: جانبه، وهما ملاطان. وقوله: رخو، (إشارة إلى عظمه واتساعه. وصف بعيراً ضل عن صاحبه، فيئس منه، وجعل يبيع رحله، فبينا هو كذلك سمع مناديا يشيد به، ويروي هذا ا لبيت للعجير السلولي، كما يروي للخطب الهلالي. وهو في أشعارهما. والقطعة لامية. ووقع في كتاب سيبويه نجيب، بدل ذلول. وتبعه النحاة على التعريف (انظر خزانه الأدب: 2: 396) ولم أعثر على البيت المذكور بين شواهد المطبوعة في المطبعة الأميرية من الكتاب.