/صفحة 160/
المقطع. أو بعبارة أصرح، وحدة الوزن، ووحدة القافية، ليتوافي إليه الجمال من أقطاره كلها، ويجمع التأثير بالمادة إلى التأثير بالنغم، والتأثير باللفظ إلى التأثير بالمعنى.
فإن للكلام ذي النغم والإيقاع من حلاوة الجرس، وعمق الأثر ما ليس للكلام المرسل المنثور، تشهد بذلك التجربة والإحساس الصحيح. وما أبعد الفرق بين الأصوات الساذجة، تنبعث في غير نظام جامع، ولا نمط مرسوم، والأصوات المنتغمة، تنبعث في حسن نسق واطراد نظام. ثم إن وحدة مقاطع الأصوات في القصيد تبعث في النفس الروح والسكينة حين الإنشاد والاستماع، أما تخالفها ومجيئيها في كل بيت على حال، فيعرض النفس للقلق والحدس والذهاب مع الأوهام.
فإذاً الشعر في صورته المأثورة غاية الغايات في التعبير بالكلام. فمن آنس من نفسه قدرة على الشعر أو النثر، فليمض إلى ما يقدر عليه، ولكن بعد أخذ الأهبة له والارتياض به، فذلك أعون على الإحسان، وأشحذ للموهبه. ولا تثريب على المرء أن يكون ناثرا لا شاعرا، بل لا عليه ألا يكون كاتبا ولا شاعرا، فليست قيمة المرء بنوع العمل الذي يحاوله، ويتكلف معالجته، ولكن بمقدار ما يبرع فيه ويحسن منه.
وإذا كان غيرنا لا يرى بأسا أن يكون الشعر غير موزون ولا مقفي، فله رأيه، ولنا راينا. وما كان حتما علينا أن نقلد الآخرين، وتأخذ إخذهم في كل شيء، فليس كل ما يفعلونه حقيقا أن يكون قدوة ومثلا، ولا سيما حين لا تكون له مزية ظاهرة، ولا فضل مذكور. فيكف إذا اتصل مع ذلك بمأثور علينا كريم ؟.
إن الله تعالى لم يخلق الناس على غرار واحد في الهيئة والشكل، ولم يجعلهم على وفاق في الخصائص والسمات، بل جعل لكل شخصيته المتميزة، وطابعه الذي تقتضيه البيئة والوراثة، حتى يكون لكل أمانة يحملها، ورسالة يؤديها على طريقته الخاصة، الأفراد والأمم في هذا سواء ونحن لقوم عرفوا بصفاء الطباع وإشراق النفوس، إذا كانت الطبيعة من حولهم دائما ضاحكة مستبشرة.
فالموسيقي إلينا أقرب، وبنا أشبه. وعملها في نفوسنا أقوى، وتأثيرها أعمق.