/صفحة 155 /
هبريد الجديدة وجزائر تنجا) ـ التي تعد في مقدمة آكلي لحوم البشر، والتي يضرب أفرادها المثل في حديثهم بلحم البشر في لذة الطعم وحسن المذاق، فيقولون إن طعم هذا الشيء لذيذ كطعم لحم آدمي ـ تسكن مناطق غنية بخيراتها وما تجود به من غذاء حيواني ونباتي. وكذلك الشأن عند آكلي اللحوم من قبائل السكان الأصليين للبرازيل: ففي منطقتهم تغزر الأسماك والحيوانات، وتزيد كثيرا عن حاجة السكان للغذاء الحيواني. وفي أفريقيا تنتشر كذلك هذه العادة في مناطق غنية كل الغني بثرواتها في الحيوان والنبات. فقبائل ابنغالا في أعالي الكنغو لا ينفكون يشنون الغارات على القبائل المجاورة لهم للحصول على أسرى يأكلون لحومهم، مع أن منطقتهم من أغنى مناطق العالم في النبات والحيوان والأسماك. وقبائل الهوتنتوت (على ضفاف نهر أورنج بجنوب أفريقيا) لا تكتفي بخطف الآدميين من القبائل المجاورة لأكل لحومهم، بل كثيراً ما يقع التخاطف بينهم هم أنفسهم للغرض نفسه، على الرغم من سعة مناطقهم وغناها بالثروة الحيوانية وخصوبة أرضها.
* * *
وقد يكون الباعث على أكل لحوم البشر مجرد الرغبة في التشفي والانتقام والأخذ بالثأر من القاتل. فقبائل التيبي التي تسكن جزر المركيز لا يأكلون إلا جسوم أعدائهم، ولمجرد إشباع رغبتهم في الأنتقام. والسكان الأصليون لجزر سليمان بميلانيزيا لا يأكلون كذلك إلا لحوم خصومهم، ولا يفعلون ذلك إلا بقصد الإمعان في إذلالهم والتنكيل بهم، إذ يرون أن أكل لحم الكائن هو أقصى ما يمكن أن تصل إليه إهانته وتحقيره. ولوحظ هذا الباعث كذلك عند طوائف أخرى كثيرة من آكلي لحوم البشر، وخاصة الساموائيين والماوريين، وبعض عشائر السكان الأصليين لزيلندة الجديدة. ومثل هذا كان يحدث عند العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، فقد أكلت هند امرأة أبي سفيان وأم معاوية كبد حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن استشهد في غزوة أحد انتقاما لمن قتل من أهلها في غزوة بدر.