/صفحة 150/
" يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة تتراوح بين 12 ألف فرنك أو 500 ألف فرنك، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يمتنع مختارا عن الحؤول دون وقوع عمل جنائي أو جنحة ضد سلامة الشخص، وكان قادرا على إسعافه دون أن يعرض نفسه أو غيره للخطر. ويعاقب أيضا بالعقوبات نفسها كل من امتنع عن مساعدة شخص وجد في حالة خطر مع قدرته على ذلك، وعدم تعرضه أو تعرض غيره للخطر(1).
وهذا الشرط، وهو عدم تعرض المنجد للخطر هو عين ما نصت عليه الشريعة الإسلامية من أنه لا يجب أن يتحمل الإنسان الضرر ليدفعه عن غيره، كما لا يجوز أن يدفعه عن نفسه بإدخاله على غيره.
هذا ما تيسر لي الاطلاع عليه من القوانين الحديثة، ومنه نعلم أن الإسلام سبق الشرائع إلى الاعتماد على التعاون كمبدأ للتشريع، وأن القيم الأخلاقية تظهر جلية واضحة في الكثر من أحكامه، بل أن القواعد الفقهية ليست إلا قيما أخلاقية تحولت في كتب الفقه إلى مصدر من مصادر التشريع، فعلى الفقيه والقاضي اللذين يريدان تطبيق الشريعة الإسلامية أن يراعيا ويحرصا على عنصر الأخلاق فيما يحكمان ويفتيان. ولا شيء أدل على أن الفقه الإسلامي يرتكز على القيم الأخلاقية من حرصه البالغ على تطبيق المساواة في جميع أحكامه، ومنها أن العقوبة على الحق العام لا يجوز بحال أن تكون من نوع التغريم بالمال في الفقه الإسلامي بينما القوانين الحديثة تحكم على من خالفها بالجزاء النقدي، وهذا إقرار لمبدأ الجريمة وتشجيع لانتشارها، وبيعها على الأغنياء الذين يقدرون على دفع الثمن، وإفساح المجال لهم كي يفعلوا ما يعجز عنه الفقير المعدم، وفي هذا من الظلم وعدم المساواة ما تأباه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
هذا إلى أن التعزير الأدبي أشد إيذاء للنفس والشعور من التغريم المالي، لأنه يمس الشرف والاعتبار، ويصم الجاني بالعار مدى حياته، ويسئ إلى سمعته

ــــــــــ
(1) كما ترجم لي من كتاب قانون الجزاء الفرنسي لبياربوازا.