/صفحة 151 /
وكرامته، ومن هنا اشترط كثير من الفقهاء أن يكون التعزير علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، ليكون أقوى في الزجر وأحكم في الردع عن الجرائم.
إن الشريعة لا تغرم أحدا بالمال إلا إذا أتلف مال غيره مباشرة أو بسبب من الأسباب، سواء أفعل ذلك عن قصد أو غير قصد، أي أن التغريم بالمال لا يكون إلا بدلا عن المال، ما عدا قتل الخطأ، كمن رمى طائراً فأصاب إنساناً، والقتل الشبيه بالعمد، كمن ضرب طفلا للتأديب فمات، اما قتل العمد " فالواجب الأول هو القود ـ القتل ـ ولا تجب الدية إلا صلحا (1).
وبالتالي، فكما حرم الإسلام التعاون على الإثم فقد أوجب التعاون على البر، وجعله مبدأ من مبادئ التشريع، كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق وإرشاد الأعمى، وما إلى ذلك، فإن امتنع القادر على النجدة دون معذرة فقد فعل محرما واستحق التعزير بما يراه الحاكم من الإهانة أو الضرب أو الحبس أو النفي، ولا يحكم عليه بشيء من المال، وقد سألت المرجع السيد محسن الحكيم عن بعض هذه الفروع فأجاب بما يتلخص بأنه لا ضمان على الممتنع المقصر لعدم وجود الدليل إلا إذا كان للإنسان رقابة على الشيء التالف، كالأمانات ونحوها، ولكنه يعزر لفعل الحرام.
وهكذا لا يترك الإسلام حساب الممتنع عن العون إلى يوم القيامة فحسب، بل يعاقبه بما يستحق، لغاية الردع والزجر، ويساوي في هذا العقاب بين الصغير والكبير والغني والفقير.
ولعلك أدركت ـ أيها القارئ الكريم ـ مما قدمنا مزايا الشريعة الإسلامية وفضلها على سائر القوانين الحديثة، وأنها أدخلت القيم الأخلاقية في نطاق الفقه من اجل صيانة الحق وحمايته، وأن القواعد الشرعية كإبطال العقود المنافية للآداب، وحرمة الإثراء بلا سبب، والإضرار بالغير، والغش والتدليس، ورفع الغبن، والعسر والحرج، وما إلى ذلك كلها قيم أخلاقية تحولت في كتب الفقه إلى مصدر للتشريع. فجدير إذن بأساتذة الحقوق أن يدرسوا الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن، ولو من الناحية النظرية على الأقل.

ــــــــــ
(1) كتاب المسالك للشهيد الثاني باب الديات.