/صفحة 147/
يختلفون مع أهل القانون في تحديد الجريمة، إذ يكفي لتحقق معنى الجريمة عند الفقهاء مجرد النص على التحريم، وإن لم يصرح النص بتقدير العقوبة عليها، أما أهل القانون فيشترطون وجود النص الصريح على تحديد العقوبة عليها، فالنص عندهم على مقدار العقوبة شرط في تحقق معنى الجريمة، فلو افترضنا أن النص ورد على التحريم فقط دون العقوبة فلا جريمة حينئذ في عرف القانون، هذا مع العلم أنه لا نهي في القانون مجردا عن تقدير العقوبة كما هي الحال في الأديان السماوية.
3 ـ قال فقهاء الإسلام، كل ما له عقوبة مقدرة في النصوص يسمى حدا، وكل ما ليس كذلك يسمى تعزيراً، فمن ارتكب عملا نص الشرع على تحريمه وعلى عقوبته معا يحد بالعقوبة المنصوص عليها كقطع يد السارق وقتل القاتل، وإذا نص الشرع على التحريم دون العقوبة عاقبه الحاكم بما يراه بقصد الردع والزجر عن المعصية وانتشارها، وقد ثبت في الحديث " أن الله جعل لكل شيء حدا، ولمن تجاوز عن الحد حدا "، ومنه يتبين أن الشريعة الإسلامية في حال كهذه قد جعلت من الحاكم مشرعاً وقاضيا في آن واحد، غير أن هذه السلطة لا تشمل الحكم بالمال على العاصي، بل تختصر العقوبة الأدبية كالتوبيخ أو الضرب أو الحبس أو النفي حسبما يراه الحاكم من المصلحة.
4 ـ أوجب الدين التعاون والتعاضد بين الناس بخاصة في حفظ النفس وصيانتها من التلف ورتب الفقهاء على ذلك أحكاما واستنباطات مبعثرة في أبواب الفقه هنا وهناك. نذكر منها المسائل التالية:
من رأى طفلا في فلاة لا يستقل بدفع الأذي عن نفسه وجب التقاطه (1).
ولو اضطر إنسان إلى طعام غيره، ويعجز عن دفع الثمن، ولم يكن صاحب الطعام محتاجا إليه يجب على مالك الطعام أن يبذله للمضطر مسلما كان أو ذميا أو مستأمنا ولو منعه صاحب الطعام كان للمضطر أن يقاتله (2).
ــــــــــ
(1) كتاب المسالك للشيهد الثاني باب اللقطة.
(2) كتاب المسالك والجواهر وغيرهما.