/صفحة 136/
بينها وبين المدينة مسير خمسة أيام، والإقطاع الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إقطاعا شخصيا، وعلى وجه الانتفاع، لا على وجه التمليك، ولعل الذي سوغ هذا الإقطاع هو بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الأرض لإقامته في المدينة، وعدم تمكنه من تنظيم الانتفاع بها لسبب اشتغاله صلى الله عليه وآله وسلم بتنظيم الدولة، ومجاهدة المشركين، وجمع شمل الإسلام.
وإن هذا الخبر يدل دلالة لا شك فيها على أن المعادن سائلة أو جامدة هي ملك للدولة، والدولة تدبر أمرها بما تراه أنفع للمسلمين، ولو كان بالانتفاع الشخصي، لأن من يخرجها من الأرض يقدم للناس شيئا نافعا يسد حاجاتهم، وذلك خير من تركها في باطن الأرض لا ينتفع بها أحد.
والمعادن على هذا الرأي تكون للدولة، ولو وجدت في أرض مملوكة ملكا حراً، فمن يجد معدناً في أرضه المملوكة له فإنه لا يحل له، بل عليه أن يقدمه للدولة أيا كان مقداره قليلا كان أو كثيراً، فمن وجد في أرض يملكها بئر نفط، فإنه لا يملك منه شيئا، لأنه لا يملك إلا الأرض، وليس هذا منها.
هذا هو الرأي الأول في مذهب مالك رضي الله عنه، وهو أعدل الآراء في الفقه الإسلامي وأقومها، وعليه العمل الآن.
والرأي الثاني في ذلك المذهب هو أن المعادن تالية للأرض، فإن كانت في أرض مملوكة ملكيه تامة فهي لمالك الأرض، لأنها تكون بمنزلة ما ينبت فيها من نبات، ويزرع فيها من زرع، ويغرس فيها من شجر، فكما أن هذه تثبت ملكيتها لمالك الأرض فكذلك المعادن، وقد رد هذا الدليل بأن القياس ليس كاملا إذ التشابه بين الزرع والشجر والمعدن غير قائم، لأن الزرع ينبت بعد الملك، فهو ثمرة من ثمراته، وأما المعادن فهي في الأرض قبل ثبوت الملك عليها، وامتلاك الأرض لا يرد عليها، إنّما امتلك المالك سطحها وظاهرها، لا أعماقها وما في بطنها، ولأن الأراضي تقتني للزرع والإنبات، لا لإخراج المعادن، فكان المقصد من الإقتناء هو الذي يحد أسعارها، وتوزن به قيمتها، ويجب في الخارج الخمس إذا كان يخرج من باطن الأرض بجهد يسير.