/صفحة 134 /
وثانيها: ألا تكون المواد التي يحتكرها من انتاج مصنعه أو من انتاج أرضه، وذلك لأن كثرة الانتاج عنصر قوى كالاستيراد من عناصر دفع الأزمات، فيجب أن يشجع ليكثر العرض، وبذلك يحصر الإكراه على البيع فيما يكون بين التجار مما هو مستورد في داخل الدولة، وليس من انتاج المحتكر، ولا مما جلبه من خارجها. والشرط الثالث: ألا يكون الاحتكار لادخار قوت أهله سنة، لأن ادخار المسلم قوت أهله سنة أجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن مؤدي الاحتكار أن يحفظ التاجر ما عنده لتغلو الأسعار، ويبيع على أساس هذا الغلاء.
11 ـ وقد أجاز الإسلام انتزاع الملك جبرا عن صاحبه للمرافق العامة، على أن يعوض المالك بثمن المثل من غير بخس ولا شطط، وقد صرح الفقهاء بأنه إذا ضاق المسجد الجامع عن أن يسع المصلين جاز هدم الدور التي حوله، وتعويض أهلها، وإدخال أرضها فيه.
وقد يقاس على هذا حال ما إذا أسرف الملاك في الامتلاك، كأولئك الذين كانوا يملكون الاقطاعات الواسعة الكثيرة بالتوارث أو الشراء، وأضر ذلك بالمجتمع، وقُوَى العمل فيه، فإنه حينئذ يجوز لولي الأمر أن يجبر أولئك الملاك الكبار على البيع لصغار الزراع، حتى تعمل كل القوي، ويعم الامتلاك ولا يخص، على أن يكون الثمن هو ثمن المثل من غير بخس ولا شطط، وإن ذلك البيع الجبري هو أيضاً من قبيل دفع الاحتكار، فإن الإقطاع ليس إلا احتكاراً لو سائل الإنتاج التي تدر الدر الوفير، وقد صرح أئمة المذهب الحنفي كما أشرنا من قبل بأن الاحتكار الآثم هو احتكار كل ما يكون الناس في حاجة إليه.
على أنه يجب أن ينبه هنا إلى أن التدخل في الملكية بأي نوع من أنواع التدخل هو من قبيل التدخل في حق ثابت لا يجوز إلا إذا كان دفعاً لضرر أشد من ضرر الانتزاع، فإنه من المقررات الشرعية أنه يدفع الضرر الكبير بالضرر الصغير، وعلى ذلك إذا كان يترتب على انتزاع الأملاك بأثمانها ضرر اقتصادي، أو يكون النفع المحقق من الانتزاع أقل من النفع الثابت بالامتلاك، فإنه لا تنزع الملكية، كما أنه لا تنزع إذا تساوي النفعان، لأن الامتلاك هو الأصل، ولا يزول إلا العارض.