/صفحة 133/
وما من مورد كسب إلا كان لله فيه حق، والدولة تجمعه، ففي الغنائم للدولة حق، وهو الخمس كما أشرنا، وفي كل مال نامٍ لله حق هو الزكاة، وفي الأراضي لله حق يبلغ في أكثر الأحيان خمس ما تخرجه، وهكذا ترك للآحاد ن ينشطوا في تنمية أموالهم، وحمي ملكيتهم، ولكن أوجب فيها حقوقاً، وفرض فيها فرائض، فصار للجماعة نوع اشتراك في الثمرات، وإن لم يمس أصل الملكية، ولا أكثر ما تنتجه.
10 ـ وإذا اتخذ المالك الملكية سبيلا للأضرار ضرب الشرع على يديه، فإذا احتكر التاجر ما يحتاج إليه الناس بيع ما يملك جبراً عليه، وأقام القاضي عليه من العقوبات التعزيرية ما يردعه ويزجر من هم على شاكلته، ومن الفقهاء من أجاز التسعير، بحيث يُقّّدر لكل أمر يحتاج إليه الناس ثمناً يتكافأ مع ما اشترى به التاجر، والربح المعقول، واعتبر التسعير علاجا للجوائح والأزمات وأبو حنيفة رضي الله عنه لا يجيز التسعير، لأنه روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تسعرو فأن المسعر هو الله، ولأن التسعير يجعل البضائع تختفي، وتباع في الخفاء بأعلى الأسعار فيأخذها الغني ويدخرها، ويحرم منها الفقير، ويرى أن علاج الأزمات الجائحة بكثرة الجلب والاستيراط وكثرة الإنتاج، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " المحتكر خاطئ والجالب مرزوق " وإن كثرة الجلب هي التي تمكن الفقير من سد حاجاته من غير نقصان.
وإن محاربة الاحتكار بلا شك تدَخُّل في أصل الملكية، وحد من قوتها، ودفع للضرر، ولذلك لم يبح بعض الفقهاء التدخل بمبلغ الاحتكار إلا في أضيق دائرة، فالمام زيد بن علي زين العابدين لا يبيح دفع الاحتكار إلا في الأقوات، والامام الهادي منع الاحتكار في أقوات الناس والمواشي، وسائر الأحياء، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من أئمة الحنفية أجاز منع الاحتكار في كل ما يكون الناس في حاجة إليه ولو كان ذهبا أو فضة.
وأبو حنيفة رضي الله عنه أجاز منع الاحتكار بشروط ثلاثة: أولهاً: ألا تكون المواد المحتكرة مجلوبة من خارج المصر، لأن الإكراه على البيع فيها يؤدي إلى عدم الجلب، وهو يرى أن الجلب وحده هو الذي يزيل الأزمات الجائحة،