/صفحة 132 /
وإن تنمية الشخصية مع التكليف بالعبادات والواجبات الاجتماعية الفردية يُقوِّي الآحاد، والعبادات توجد روح الإلف، وتوقظ الضمير، وتقوى الإحساس بحق الغير، فيعرف معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكرهه لها " ومعنى قوله عليه السلام: " عامل الناس بما تحب أن يعاملوك " ومن الضمير الحي المستيقظ، وروح الالفة والتآخي، وملاحظة حقوق الناس، يوجد التلاقي بين الآحاد بعضهم مع بعض، فيتكون الاجتماع على محبة وروح من الله سبحانه وتعالى ورضوان منه سبحانه وتعالى، فيكون مجتمعاً قوياً مؤتلفا، لأنه تكون من قلوب متآلفة، لا من جُسوم متراصة.
وليس كذلك المجتمع الذي يكون فيه الآحاد مندغمين في الجماعة، فليس لهم حقوق شخصية إلا مما تمنحه الجماعة ممثلة في الحاكم، فإنه يذهب الإرادة، ويشبه أن يكون اجتماعاً صناعيا، إذ ليس اجتماعاً ائتلافيا، ومن أجل هذا اعتبر القرآن الاجتماع تأليف قلوب، لا تجاور أجسام، فقد قال سبحانه في شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لو أنفقت ما في الارض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم ".
9 ـ وإذا كانت الملكية حقاً شخصياً، وليست وظيفة اقتصادية، أو مجرد تنظيم، فإنها قد فرضت عليها فيها واجبات كثيرة، بعضها تجمعه الدولة، وبعضها يكون واجباً دينياً كالكفارات، فالزكاة تجمعها الدولة، وتوزعها على الفقراء وسائر مصارفها، وأداؤها دليل الطاعة، والامتناع عن أدائها دليل الخروج عن الجماعة والتمرد والعصيان، ولذلك قاتل أبو بكر الصديق أهل الردة الذين امتنعوا عن الزكاة ورضوا بالصلاة، واعتبر الامتناع عن الزكاة خروجاً على الدولة، وصاح فيهم: إما حرب مجلية، وإما سلم مخزية، وقال: " لو منعوني عقالا أعطوه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه ".
وفي سبيل دفع ضرر الملكية أجاز لولي الأمر أن يفرض من الضرائب ما يملأ بيت المال إذا خلا، أو لا تكفي موارده لسد حاجات الأمة ومرافق الاجتماع الفاضل.