/صفحة 131/
وإن هذا التوزيع الخاص لا يدل على أن أصل الملكية لا يثبت إلا بإذن الحاكم، بل إنه يدل على أن التوزيع في الشدة يجب أن يكون على أساس دفع الضرورة القائمة، ومن المقررات الشرعية أن الضرورات تبيح المحظورات.
وقد يقول قائل: إن الذي تقرر في هذا البحث أن كل حق في الإسلام قد ثبت بإذن من الله تعالى، وأن الأسباب جعلية وليست مؤثرة بذاتها، فكيف يقال بعد ذلك إنها حق شخصي، ولا تكون تنظيما اقتصاديا، ونقول في الإجابة: إن الله إذا أعطى حق الملكية، إنّما أعطى حقاً شخصياً لكل إنسان، لا يستمده إلا من الله، فلا يستمده من الدولة، بل يستمد ممن أعطى الدولة حقَّ الطاعة من الرعية، فالحقان ثبتا من مصدر واحد، فليس حق الدولة أقوى من حق العبد، إلا فيما يكون فيه اعتداء على حق الغير، فقد جاءت للمحافظة على الحقوق التي خولها الله سبحانه وتعالى لعباده، وبذلك يلتقي كون الحق ثابتاً من الله تعالى وكونه حقاً شخصياً، وقد قرر سبحانه وتعالى ما يكون للدولة سلطان التوزيع فيه، وما يكون للآحاد حقاً مجرداً ثابتاً، ففي الغنائم وضح سبحانه وتعالى أن للدولة الخمس، وللجند أربعة الأخماس، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صرح بأن في الركاز الخمس، الركاز هو ما ثُبِّت في باطن الأرض، وهكذا، فكان في كل هذا تأكيد لبيان أن الملكية في ذاتها حق شخصي، وليست واجباً ولا تنظيما من الحاكم، ولا يستمد المالك ملكيته من الحاكم، وسنجد ذلك واضحاً عند الكلام في بعض الفروع، كإحياء الموات من الأرض.
8 ـ وإن جعل الملكية حقاً للآحاد، وليست تنظيماً اقتصاديا فقط، هو صورة من احترام الشخصية الإنسانية وتكريم الإنسان في هذه الارض، وهو يشير إلى أن كل مؤمن يتحمل التبعات، وهو مسئول أمام الله تعالى عما يكون منه، ومجزي بعمله، إن خيرا وإن شرا، فإن كان قد أعطاه حق الامتلاك فقد فرض عليه فرائض الامتلاك، وإذا كان قد خول له سلطاناً فيما يملك، فقد قرر عليه حقوقاً لغيره في هذه الأموال يشبه الشركة فيها، ففي أموال الأغنياء حق معلوم للسائل والمحروم.