/صفحة 129/
يختص به الإنسان يكون اختصاصه مطلقا، إنّما كل ما في الوجود بالنسبة للإنسان مقيد، فالحرية ليست مطلقة، وكذلك الملكية ليست مطلقة، ولقد ذكر بعض الفقهاء أن الملكية المطلقة هي لله سبحانه وتعالى مانح كل إنسان خلقه وما يتصل به، ولقد قال ابن رجب في قواعده:
" اعلم أن ابن عقيل ذكر في الواضح في أصول الفقه إجماع الفقهاء على أن العباد لا يملكون الأعيان، إنّما مالك الأعيان خالقها سبحانه وتعالى؛ وأن العباد لا يملكون سوى الانتفاع بها على الوجه المأذون فيه شرعاً، فمن كان مالكا لعموم الانتفاع فهو المالك المطلق، ومن كان مالكا لنوع منه فملكه مقيد، ويختص بنوع خاص يمتاز به كالمستأجر والمستعير وغير ذلك، وكذا ذكر ابن الزعفراني في كتابه غرر البيان، ورجحه تقي الدين رحمه الله " (1).
وننتهي من هذا إلى إن الملكية المطلقة بمعنى الاطلاق الكامل لا تثبت إلا لله سبحانه وتعالى خالق كل شيء، وأن ملكية الآحاد من الناس مقيدة، واختلافها في مقدار القيد، فمن كان يملك العين فإنه يملك التصرف فيها، والانتفاع بها انتفاعاً عاما بكل الوجوه المقررة للإنتفاع المشروع، ولا تقيد بزمان، وتنتقل بالميراث، وملكية المنافع مقيدة بالزمان، ومقيدة بوجوه الانتفاع التي قيده بها مالك العين، ومقيدة بالزمان، ومالك المنافع يستمد الملكية من مالك العين بتقرير الشارع، ومالك العين يستمد الملك من أحكام الشارع.
6 ـ وهنا بحث يثيره الذين يتكلمون في الاقتصاد الآن، أمن حيث اعتبار الملكية تنظيما اقتصاديا، يستمده المالك من نظام الدولة القائم، أم هو حق شخصي يستمده المالك من الحقوق الطبعية التي منحها له مانح الوجود ؟ إن ذلك بحث قد أثير، وحق علينا أن نبين موقف الإسلام منه، أيعتبر الملكية نظاماً ينظمه الحاكم، ويعد تكليفاً اقتصادياً، أم يعتبر الملكية حقاً شخصياً للفرد، ويجرنا هذا إلى الكلام في أن الإسلام ينمى قوى الآحاد فيتكون مجتمع قوي لبناته قوية،

ــــــــــ
(1) القواعد لابن رجب، القاعدة السادسة والثمانون ص 196.