/صفحة 128/
4 ـ بعد تقرير هذه الحقائق الثابتة نتجه إلى تعريف الملكية ما هي، وما حدودها، ومن أي أصل يستمد حقها ؟ أيستمد من الله تعالى خالق العباد وواهب الوجود إذا توافرت أسبابها، أم يستمد من المجتمع، كما يعبر بعض الناس.
ولقد ذكر الفقهاء تعريفات كثيرة للملكية تختلف عباراتها، وتتقارب مدلولاتها، فعرفها كمال الدين بن الهمام من فقهاء الحنفية " بأنها القدرة على التصرف ابتداء إلا لمانع " وهذا تعريف بالأثر، فالملكية من آثارها ومظاهرها القدرة على التصرف الذي يستمده من تلقاء نفسه إلا لمانع شرعي يمنعه من التصرف، وكأنه بهذا يقرر أن الملكية معنى نسبي يحد الصلة بين الإنسان والأشياء، وثمرته تظهر في القدرة على التصرف إلا إذا وجد مانع.
ولقد عرفها المقدسي من فقهاء الحنفية أيضاً بأنها الاختصاص الحاجز، أي الاختصاص بالشيء الذي يمنع الغير من التصرف أو الانتفاع إلا بإذن من صاحب ذلك الاختصاص.
ولقد جاء في كتب المالكية تعريف للملكية يفيد استمدادها، وهذا نصه كما جاء في القرافي:
" الملك حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة، يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء، وأخذ العوض عنه، وهذا التعريف يبين مصدر حق الملكية، وهو الشارع، وذلك مبدأ إسلامي مقرر ثابت، لأن الحقوق في الإسلام لا تثبت من تلقاء نفسها أو بأسبابها، بل الحقوق كلها تستمد من الشارع، وهو الله سبحانه وتعالى:
فكل الحقوق الشرعية تثبت في الشرع الإسلامي بحكم الله تعالى، والأسباب التي يباشرها المسلم هي أسباب جعلية، أي أنها لا تثبت الأحكام بذاتها، إنّما تثبتها لجعل الشارع الحكيم لها مثبتة.
5 ـ وإذا كانت الملكية لا تثبت إلا بحكم من الشارع، فهي بلا ريب مقيدة بما يقيدها به الشارع، وليست مطلقة عن قيود الشرع، لأنه لا شيء فيما