/صفحة 122/
الحصول على ما يطلبون، ويؤكدون لهم أن الله حرمهما على الكافرين. وليس القصد تحريم التكليف والنهي وإنما القصد تحريم المنع بطريق القهر وذلك على حد قوله تعالى: " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ". فهو تحريم فعلى قضى الله به عليهم جزاء لموقف العناد والتكذيب، ثم وصفهم أهل الجنة بالوصف الذي اختاروه لأنفسهم وكان سبباً في ذلك الحرمان: " الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا ". والقرآن كثيراً ما يضيف هذا الوصف إلى الكافرين ويعلن أنه سبب نكبتهم وسوء مصيرهم، والمعنى أنهم اتخذوا دينهم صوراً ورسوما لا تزكي نفساً، ولا تطهر قلباً، ولا تهذب خلقاً، ولا تصلح فاسداً. اتخذوا دينهم هكذا وكان اشتغالهم به على هذا النحو صرفاً للوقت فيما لا يفيد وهو اللعب أو شاغلا لهم عن الجاد النافع وهو اللهو. وقلبوا بذلك في الوقت نفسه حقيقة الدين وسلخوه عما اراد الله به من تطهير النفوس وتزكية القلوب وإصلاح المجتمع، ثم أرشد بقوله: " وغرتهم الحياة الدنيا ". إلى العلَّة الحقيقية التي لوت بهم الطريق وعدلوا بها عن حقيقة الدين وهي اغترارهم بزخارف هذه الحياة الدنيا، وانصراف قلوبهم اليها، وظنهم أنها الحياة ولا حياة لهم بعدها فعكفوا على الجانب المادي المظلم وحرموا أنفسهم من الجانب الروحي المضي، فعاشوا في ظلمة حالكة في الدنيا، وسيصيرون إلى ما اختاروا لأنفسهم في الآخرة.
ولعل أظهر طائفة يصدق عليها هذا الوصف فيما بيننا هم جماعة الماديين الذين أنكرت قلوبهم معاني الرحمة والعطف وكفروا بما يجب أن تكون عليه صلة المخلوق بالخالق. هؤلاء الذين يتمثلون اليوم في الطغيان المالي الفردي " الرأسمالية الفردية ". وفي الطغيان المالي الحكومي " الرأسمالية الدولية " فكلتا الطائفتين قد غرتهم الحياة الدنيا بحق واتخذوا اللهو واللعب دينا به يتعبدون، وباسمه ينافقون، واليه ينتسبون.
وإذا كانت الرأسمالية الفردية تستغل حاجة الفقير وتموت أمام طغيانها فضيلة الرحمة بالإنسان الضعيف، فالرأسمالية الدولية تستلب من الفقير المتكسب حقه،