/صفحة 105/
قبل هذا في القاتل المعتمد من تلك السورة: "و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها" بل هذه أشد للتصريح فيها بالخلود في جهنم، وهو يحتاج عند من يرى ايمان القاتل المتعمد إلى الحمل على المكث الطويل، ليكون هناك فرق بين خلود المؤمن العاصي في جهنم، وخلود الكافر.
وكذلك قوله تعالى في الآيتين ـ 88 ـ 89 ـ من سورة النساء: "فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من الله ومن بضلل الله فلن تجد له سبيلا، ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فان تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا" على القول بأنهما نزلتا فيمن بقوا من المسلمين بمكة ولم يهاجروا، أو في قوم من قريش قدموا المدينة وأسلموا، ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين، فلما بعدوا عن المدينة كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انا على الذي فارقناك عليه من الايمان، ولكنا اجتوبنا المدينة، واشتقنا إلى أرضننان ثم انهم خرجوا في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك المسلمين، فقال بعضهم: نخرج اليهم ونقتلهم ونأخذ ما معهم، لأنهم رغبوا عن ديننا. وقالت طائفة منهم: كيف تقتلون قوما على دينكم وان لم يذروا ديارهم؟ وكان هذا بعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ساكت لا ينهى أحد الفريقين، فنزلت الآيتان في نهي الفريق الثاني عن الذب عنهم، وأمر المؤمنين جميعاً أن يكونوا على منهاج واحد في مباينتهم، والتبرؤ منهم، ثم وصفهم بما يفيد نفاقهم وكفرهم، وقد أخذ بهذا جمهور المفسرين، واني أرى أن هذا نفاق وكفر سياسياً لا دينياً، لأن هؤلاء الناس لا يصح تكفيرهم دينياً ما داموا قد كتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم على الذي فارقوه عليه من الايمان، وتركهم للهجرة إنّما يقتضى عصيانهم لا كفرهم.
ولكن قد يقال: كيف يأمر الله تعالى بقتلتهم والمنافقون لا يصح قتلهم، ولا قتالهم؟ واذا كان الجهاد قد شرع أخيراً معهم، فهو جهاد لا يصل إلى حد