/صفحة 104/
من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفوراً غفورا".
وقد أسر بعض أولئك المسلمين الذين خرجوا في بدر مع المشركين، فأخذ منهم الفداء كما أخذ من المشركين الذين أسروا معهم، وفيهم نزل قوله تعالى في الآيتين ـ 70، 71 ـ من سورة الانفال: "يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم، وان يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم".
وكان من أثر قطع الصلة السياسية بين من بقى في مكة من المسلمين ومن هاجر منهم إلى المدينة أن قطع التوارث بينهم، وجعل التوارث بالولاء بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون دون أقربائهم وذوي أرحامهم، وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر، إلى أن فتحت مكة وانقطعت الهجرة، فتوارثوا بالأرحام حيثما كانوا، وفي هذا نزل قوله تعالى في الآية ـ 72 ـ من سورة الأنفال: "ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لك من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير".
والآية ظاهرة في أن اصل الايمان ثابت لأولئك الذين بقوا في مكة من المسلمين ولم يهاجروا، وكذلك الآية الواقعة بعدها: "و الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم" لأنها تفيد أن الذين آمنوا ولم يهاجروا مؤمنون أيضا، ولم يكن ايمانهم حقا ـ أي كاملا ـ ليوافق قوله في الآية السابقة: "و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر" لأنها أوجبت على المهاجرين نصرتهم ان استنصروهم في الدين، أي لأجل أنهم اخوانهم في الدين، وأما قوله تعالى في آية النساء السابقة: "فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" فهو لايدل على نفي الايمان عنهم، كما لا يدل قوله