/صفحة 103/
المدينة بالقتال في سبيل تخليصهم من ذلك الحكم الأجنبي الظالم، وفي هذا يقول الله تعالى في الآيتين 74، 75 ـ من سورة النساء: "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا" فقاتل المسلمون قريشا في سبيل تخليص أولئك المستضعفين حتى خلصوهم من ذلك الحكم الأجنبي الظالم، وحتى استولوا أخيراً على مكة ليقضوا على ذلك الفساد والظلم.
وكان من ذلك القليل الذي بقى بمكة طائفة أخرى لم تكن مستضعفة، ولكنها عز عليها أن تفارق وطنها وأهلها وأموالها، ولم تحتمل نفسها أن تكابد ألم الاغتراب عن الوطن، فرضيت بذل الاستعباد لذلك الحكم الأجنبي، وآثرته على عز الحرية في الوطن الإسلامي، وفي الدولة الإسلامية الجديدة، فلم يرض المسلمون عن بقاء هذه الطائفة بمكة، وقطعوا صلتهم السياسية بها، وعاملوها كما يعاملون أعداءهم من المشركين، لأن بقاءها في مكة كان فيه تكثير لعدد أعدائهم، وتقليل من عددهم، على أن أمرها لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز إلى مشاركتها لأعدائهم في قتالهم باكراههم لها عليه أو بغيره من الوسائل، وقد خرج نفر منها في غزوة بدر مع المشركين فقتلوا فيها مع من قتل منهم، ونزل فيهم قوله تعالى في الآية 97 ـ من سورة النساء: "ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيهم كنت مقالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" فاعتذروا للملائكة بأنهم كانوا عاجزين في أرض مكة، فرد الملائكة عليهم بأن أرض الله ـ يعنون أرض المدينة ـ كانت واسعة، فكان عليهم أن يهاجروا فيها ولا يبقوا بين المشركين، ليتحكموا فيهم ويخرجوهم إلى قتال اخوانهم، ثم استثنى في الآية التالية بعض من بقى في مكة فقال: "الا المستضعفين