/صفحة 102/
الإسلامية، واستقر أمرها بين المسلمين، واحتاجوا فيها إلى تاريخ سياسي يرجعون إليه في تعيين أزمان حوادثهم وأحكام دولتهم، وما يدخل فيها من أمورهم الدينية والسياسية، فلم يجدوا أنسب إلى هذا من هذه الحادثة التي تم فيها انشاء الدولة الإسلامية، وظفر فيها المسلمون بنعمة الحرية، وهي أسمى نعمة في هذه الدنيا.
ولهذا كان للهجرة إلى المدينة شأنها في الإسلام، ولم يكن للهجرة إلى الحبشة مثل هذا الشأن، لأن المسلمين لم ينالوا بها شيئا من الحرية السياسية، ولم ينالوا بها الحرية الدينية كاملة، ولهذا كان للهجرة إلى المدينة شأنها في الإسلام، ولم يكن للهجرة إلى الحبشة مثل هذا الشأن، لأن المسلمين لم ينالوا بها شيئا من الحرية السياسية، ولم ينالوا بها الحرية الدينية كاملة، وانما نالوا الحريتين كاملتين بالهجرة إلى المدينة، فنزل فيها القرآن الكريم ينوه بشأنها، ويرغب فيها، ويعد بالأجر العظيم عليها، ومن هذا قوله في الآية 100 من سورة النساء: "و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً" وكذلك قوله في الآية 118 من سورة البقرة: "ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم".
وقد جعل الإسلام لهذه الهجرة في ذلك الوقت منزلة تلى منزلة الايمان بالله، فأوجبها حتما على جميع المسلمين في مكة وغيرها من البلاد العربية، ليتخلصوا بها من الحكم الأجنبي في بلاد الشرك، ويظفروا بحريتهم الدينية والسياسية في دولتهم الإسلامية الجديدة، ويساعدوا على تقويتها ونهوضا في وسط قوى الشرك التي تحيط بها من كل جانب، وكان مهاجروا الحبشة يدخلون في هذا الوجوب، ولكنه لم يكن وجوبا على الفور كما كان على المسلمين في مكة والبلاد العربية، لأنهم كانوا في هجرة أيضاً، وكانت لهم ظروف تقتضى التساهل في شأنهم، وتوسع لهم في الهجرة إلى المدينة إلى أن تتهيأ لهم.
فهاجر جميع المسلمين من مكة الا قليلا منهم، وكان من هذا القليل طائفة عجزت عن الهجرة إلى المدينة، من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فبقوا في مكة يقاسون من حكمها الأجنبي ما كان يقاسيه اخوانهم المهاجرون، فأمر المسلمون في