/صفحة 101/
شدة قريش على بني هاشم وبني المطلب، ولا سيما من بقى على الشرك منهم، لأنهم لا ذنب لهم فيما يصيبهم بسبب المسلمين، فهاجر معظم المسلمين إلى الحبشة، وكانوا نحو ثلاثة وثمانين رجلا، وثماني عشرة امرأة، ولم يفكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مهاجر معهم، كما لم يفكر في هجرتهم الأولى، لأنه كما سبق يطلب الحرية الدينية والسياسية للمسلمين، ولا يكتفى بالحرية الدينية التي يجدونها في الحبشة، ولا يجدون فيها الحرية السياسية، لأنهم كانوا في الحبشة يعيشون أيضاً في ظل حكم أجنبي، وكانت حريتهم الدينية مقيدة بعض التقييد، فلم يكن لهم حق الدعوة فيها لي دينهم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليرضى لنفسه بمثل هذا التقييد، لأن شأنه فيه ليس كشأن أولئك المهاجرين.
ولم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب للمسلمين الحرية الدينية والسياسية، حتى وصل إلى هذا بالهجرة إلى المدينة، وكان أهلها قد بايعوه لربه أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا، ولنفسه أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وهنا وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه اذا هاجر إلى المدينة سيهاجر إلى قوم دانوا بالاسلام، وسيكون هو رئيسهم الديني والسياسي، فتظهر بذلك الدولة الإسلامية، ويعيش بها المسلمون وهم ممتعون بالحرية الدينية والسياسية، لا يتحكم فيهم أجنبي، ولا يحاول فتنتهم في دينهم، فأمر المسلمين أن يهاجروا جميعا إلى المدينة. فهاجر كثير منهم قبله اليها، وأشاعوا الإسلام بين أهلها، تمهيداً لهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهم، ليجد الإسلام اذا هاجر قد غلب عليهم، فيكون الحكم فيها للاسلام والمسلمين، وتكون الدولة الإسلامية الحرة التي كان يبغيها كل هذه المدة لهم، ولم يرض أن يهاجر للحبشة من أجلها، فلما تهيأ له هذا كله هاجر إلى المدينة، وتم له فيها ما أراده للمسلمين من الحرية الدينية والسياسية، ومن انشاء الدولة التي يتمتعون فيها بهذه الحرية.
ولهذا اتخذ المسلمون هذه الهجرة مبدأ لتاريخهم السياسي، وآثروا حادثتها بهذا على غيرها من الحوادث الإسلامية الكبرى، لأن هذا التاريخ سياسي لا ديني، ولهذا لم يفكر المسلمون فيه الا في خلافة عمر بن الخطاب، بعد أن تكاملت الدولة