/ صفحه 92/
لقد كانت روسيا في عداوتها لتركيا تتذرع بالدين وحماية المسيحيين الأرثوذكس فيها فاشتهرت باسم " أم السلافيين الحنون " كما أنها حصلت على الاعتراف لها دولياً بصفة حامية الأرثوذكس في تركيا بمقتضى معاهدة " كوجك فلينا رجي " سنة 1774 فكانت أكثر الدول اعتداء على تركيا وتهييجا لرعاياها الأرثوذكس ضدها بدعوى حمايتهم من ظلم الأتراك وإن كانت حجتها هذه واضحة البطلان بدليل بقاء المسيحيين في تركيا على دينهم وقوميتهم مع أنها كانت قادرة على إجبارهم على الإسلام أو محوهم من الوجود. ومما يدل على مدى تدخل روسيا في شئون تركيا الداخلية بشأن كل صغيرة أو كبيرة تخص الأرثوذكس أن تدخلها في خلاف تافه نشب بين الرهبان الكاثوليك والأرثوذكس حول حق حفظ مفاتيح كنائس القدس كان سبباً لدخولها حرب القرم سنة 1853.
حركة تمرد الأرثوذكس في بوسنة وهرسك سنة 1875:
وبعد الحرب التي قامت بين فرنسا وبروسيا سنة 1870 تلاقت مصالح روسيا والنمسا وألمانيا في مضايقة تركيا في البلقان والاعتداء عليها، فقامت روسيا بتهييج أمم البلقان ودعونهم لعصيان الحكومة العثمانية الإسلامية باسم الدين الأرثوذكسي، ونشر مبدأ اتحاد السلافيين تحت راية قيصر روسيا، ورأت النمسا من مصلحتها أن يهيج الأرتوذكس خصوصاً في بلاد بوسنة وهرسك ضد الدولة العثمانية على أمل أن تتمكن من الاستيلاء عليهما إذا تعقدت الأمور فيها فلذلك بدأت تنفخ في نار المتمردين المسيحيين في بوسنة وهرسك من أدناها إلى أقصاها وترسل إليهم الأسلحة والذخائر سراً، وأما صربيا والجبل الأسود فقد كانتا تزودانهم جهاراً بكل ما يحتاجون إليه من المساعدات بالإضافة إلى المساعدات التي كانت ترد إليهم من بني قومهم ودينهم في هنغاريا التي اضطرت إلى توقيع العقوبات على بعض زعماء الصرب المتوطنين فيها لقيامهم بتهريب المال والسلاح إلى إخوانهم في بوسن فقد وقفت هنغاريا في ذلك الوقت موقفاً شريفاً من تركيا اعترافا منها بالجميل للأتراك الذين ساعدوا الهنغاريين في ثروتهم سنة 1849 وآووا اللاجئين من هنغاريا وامتنعوا من تسليمهم.