/ صفحه 79 /
بأن ذا الكلب عمراً خيرهم حسبا ببطن شريان يعوي حوله الذيب (1).
لقد استشهد النحاة بالشطر الأول من البيت الثاني لتقديم اللقب على الاسم في باب (العلم) من ابن عقيل والأشموني والسيوطي في همع الهوامع ـ والخلاصة أن اللقبين السالفين ليست فيهما هنة خسة ولا مهانة، لأن العبرة بالوضع عند الاطلاق الأول، ولا مرية أنه لم يلاحظ فيهما الغض من أصحابهما، نعم صح للنحاة أن يمثلوا للقب في الذم بنحو بطة وقفة وأنف الناقة، وإن استحال الذم في الأخير مديحاً، وإن من البيان لسحرا.
قال ابن رشيق: " كان بنو أنف الناقة يفرقون من هذا الاسم، حتى أن الرجل منهم يسأل: ممن هو؟ فيقول: من بني قريع، فيتجاوز جعفرا ـ أنف الناقة ـ ابن قريع بن عوف بن مالك ويلغي ذكره فراراً من هذا اللقب، إلى أن نقل أحدهم الحطيئة من ضيافة الزبرقان إلى ضيافته وأحسن إليه، فقال:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فصاروا يتطاولون بهذا النسب، ويمدون به أصواتهم في جهارة. وإنما سمى جعفر أنف الناقة لأن أباه قسم جزوراً ونسيه، فبعثته أمه ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه: شأنك بهذا، فأدخل أصابعه في أنف الناقة وأقبل يجره، فسمى بذلك (2) ".
وما كدت أنتهى من هذا الجواب حتى فجأني سائل آخر بسؤال ثان جديد عن سهم النميري الذي يحكون عنه أنه لا يطيش أبداً، ويتبع رميته كلما راغت عنه يمينا أو شمالا حتى لا تفلت منه، إنه يشبه أن يكون حديث خرافه، فما أبصرنا بل ما حلمنا أن سهما خلقته الأيام يتقفى فريسته أني تذهب. فما ذاك؟
ــــــــــ
(1) المرثية في ديوان الهذليين، وبعضها مذكور للمناسبة في خزانة الأدب الشاهد التاسع والستين بعد الثمانمائة.
(2) العمدة الملخصاً 1: 50 والبيت في القاموس مادة (أنف) ومعه الحديث المذكور كله، ونقل ما في العمدة البغدادي في الخزانة الشاهد 214ن ولابيت من قصيدة في مختارات شعراء العرب لابن الشجري.