/ صفحه 77/
على علته التي يعانيها، مع أنه يألم لإعراض كلبهم، إن جفوتهم له لأقسى عليه وأشد ألماً من مرضه، فقال في ذلك:
مالي مرضت فلم يعدني عائد منكم ويمرض كلبكم فأعود
وأشد من مرضي على صدودكم وصدود كلبكم على شديد (1)
فسمى لهذا (عائد الكلب) قال ابن قتيبة: " وولده الآن يسمون: بني عائد الكلب " (2).
ويبدو أن في هذا الكفاية، للرد على من يزعم أن في هذا اللقب زراية.
قال ابن رشيق: " من الذين نطقوا في الشعر بألفاظ صارت لهم شهرة يلبسونها، وألقاباً يدعون بها فلا ينكرونها: عائد الكلب إلخ، ثم البيت الأول " (3).
ويستخلص من تتبع شعر عائد الكلب أنه كان وفياً في صداقته، يغضي عن المساوئ إلى أن يبدو من صديقه ملل أو تكلف في رعايته، فإن دواءه عند تنكره له مجانبته مع كتمانه لأسراره ـ ولتك خلة الكرام ـ ألا تراه يقول:
لما رأيتك قد مللت مودتي آليت فيك بأعظم الأيمان
إني كذاك إذا تنكر صاحبي دوايته بالصرم والهجران
فلقد تدوم لذي الصفاء مودتي وإذا لويت بتت ذا الليان
وأكف عن بغض الصديق تكرماً نفسي وما دهري له بهوان
فأقارن الخلان عن غير القلي وأميت نشر السر بالكتمان (4)
من هذا يتبين أن ذلك اللقب غير ممجوج كما يتبادر إلى الأذهان، بل إنه سمة التفاني في المحبة، وما يتبع الأحباب مكرم للأحباب، وما يلحق من جرائه لا عيب في انتسابه، والأمثلة على ذلك كثيرة في الشعر العربي.
ــــــــــ
(1) البيت الأول في عيون الاخبار ج 3 ص 52، والبيتان في الكامل شرح الرغبة ج 5 ص 76.
(2) الموطن السالف في العيون.
(3) العمدة 1: 46.
(4) الابيات في مجالس ثعلب 1: 81 وما بعدها، الليان: المطل ـ بفتح اللام وكسرها ـ ما دهري: ما عادتي.