/ صفحه 76/
ما يهدم كيانها أو يمس جلالها، ولكن من المستغرب أن يروي الزمخشري الواقعة وينقلها عنه النسفي وأبو حيان وغيرهما، ولا يتعرض واحد منهم إلى توهينها ووصمها بالافتعال إلى أن يجئ في العصر الحاضر الألوسي ويجزم أنها مختلقة، فمن الإنصاف التسليم بها، وليس أول نازلة من نوعها فأمثالها معروفة ـ وفي هذه الحادثة عبرة خاصة، هي: أن في تحدي النعمان قتادة، عند تصديه للإفادة، بالسؤال عن النملة، وهي ما هي؟ في الضآلة والصغر، ما ينبه المتصدي للتعليم أنه معرض لسهام مريشة، مهما أوتي علماً وفقهاً، وحذق المعرفة دراية ورواية.
نسوق هذا تفظيعاً لما يجري على سنة الاقتراح وترك الاستفهام للسائلين كما يشاءون، وإن زجت بنا الأقدار للوقوع فيه، فنعود لموضوعنا.
لا ريب أنه إذا رافق المدرس التوفيق كان ذلك له غرس العام المقبل جميعه، فليس له هيمنة على طلابه إلا من هذا السبيل الروحي الذي يثمر في نفوسهم حسن اعتقادهم فيه طواله، فينتفعون بما يلقيه عليهم بعد، ويحرصون على الاستفادة منه، ويعملون بإرشاداته في العلم والخلق.
في الدرس الأول تقدم طالب بالسؤال عن تمثيل النحاة بلقب " عائد الكلب " وإن بدا في طيِّ هذا الاستفهام شيء من السخرية اللاذعة بالنحاة، لشيعانه في كتبهم مع نبوه عن ذوقه حسب استساغته، فلم أجد بداً من الإجابة عنه، ليتبين له أنه على غير ما خال، وقدرت في نفسي أن القول فيه ربما استنفد الوقت المقدر للمحاضرة، وفيه من العربية غناء، فليس أجنبياً مما هم مكلفون به.
1 ـ عائد الكلب:
هذا لقب أطلق على صاحبه لا يتجاوزه، لأن اللقب أحد أنواع العلم الثلاثة، ولا تظنوا في هذا اللقب شيئا ولا ذاما، بل إنه في مغزاه عنوان الإخلاص في التواد لمن يعاشرهم ويصطفى مخالتهم، فصاحبه: عبد الله بن مصعب الزبيري صادق جماعة خالهم أوفياء له، كان يفرح لأفراحهم، ويواسيهم في أحزانهم، حتى إذا اعتل كلبهم عاده وابتأس لا بتئاسهم. فما بالهم يعرضون عنه في مرضه، حتى ازداد ترحه