/ صفحه 61/
بيِّنٌ واضح مما قدمنا. فليس من المستحسن ـ إذاً ـ بل ليس من المستطاع والأمر كما وصفنا، التوحيد النحوي. وكذلك الشأن لو تفاوتت لغات القبائل ـ كما يرى فريق من الباحثين ـ في مبلغ فصاحتها، نصيبها من السمو والسلامة؛ إذ أننا عند التفاوت سنأخذ عن بعض دون بعض؛ بنقع في مثل ما وقع فيه النحاة الأقدمون، ويجئ النحو الجديد مبلبلا قاصراً كالقديم. فما عسى أن نصنع؟ ليس أمامنا إلا أحد أمرين ـ كما أشرنا في بحث سابق ـ:
أ ـ وضع نحو خاص لكل قبيلة؛ بحيث يلائم لغتها وحدها، وتنطبق أحكامه على لهجتها، ولا يدع شيئاً يتعلق بكلامها ـ من هذه الجهة ـ إلا اشتمل عليه، تاركا ما لا يتصل بها وبلسانها الخاص. وبهذا بتعدد النحو بتعدد القبائل؛ فتجد كل واحدة ما يلائمها، وترتاح إليه ـ كما هو الشأن في القراءات القرآنية قديماً وحديثاً.
لكن هذا التعدد يضعف الروابط الثقافية والمادية بين القبائل العربية؛ بضعف التفاهم اللغوي بينها، وهو هن أواصر القربى والمودة القائمة، ويسلخ حاضر القبيلة من ماضيها، ويفصل بين التاريخ القديم والحديث في القبيلة الواحدة والقبائل الكثيرة، هذا إلى أن " نحوها " الخاص قد يخالف " نحو " القرآن فتعجز عن فهمه الحق، والى أن عزله القبيلة إن استمر في القديم فبقاؤه اليوم عسير، وتلك عيوب وسيئات ترجح حسنة " النحو " الخاص.
ب ـ فلم يبق إلا وضع " نحو " موحد للقبائل العربية كلها، لا يحوي لهجاتها مجتمعة، ولا يضم في ثناياه خصائص كل لغة منها، وإنما يكون أساسه مستمداً من لغة واحدة ممتازة، يعترف لها الجميع بالسمو فوق سائر اللغات، ويعلنون أنها أعلى مكاناً، وأرفع قدراً، وأكمل مزايا من لغاتهم الخاصة، ولا يعترفون لغيره ـ راضين فرحين ـ بهذا الفضل الأوفى؛ تلك هي لغة القرآن التي لا تنسب لقرشي وحده، أو لتميمي وحده، أو لقيسى أو لغيرهم كذلك، فهي لغة عربية حرة، وكفى، وإن شئت فقل: هي لغة للعرب جميعاً، من قبائلهم المختلفة استمدت كيانها ومادتها، ومن ألفاظهم أخذت أصولها (بالرغم مما انفردت به من صياغة معجزة ونظم فريد