/ صفحه 62/
وأغراض جليلة) فلم تقصر نفسها على قبيلة واحدة، ولم تكتف بهذه عن تلك، وليس حظها من الإجلال والإكبار عند عربي بأكمل من حظها عند أخيه، فالجميع في ذلك سواء، والقرآن كله في هذا سواء، وليس من السائغ ولا مما يرتضيه العقل أن يقول بعض النحاة: " إن القرآن قد يجري على غير الغالب القوى... " مستنبطا ذلك من مثل قوله تعالى: " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين " وقوله: " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمما " (1)، فذلك استنباط واهم سنفيض الكلام عليه في موضعه بعد.
فإن احتجنا إلى شئ ولم نجده في لغة القرآن رجعنا إلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، والى ما اشتهر من كلام العرب، في وثيق مراجعه، كالمعلقات، وأشباهها من المأثورات العامة من غير أن نلتفت لقبيلة القائل، أو نذكر اسمها، أو نهتم بشأنها، فذلك لا يعنينا، وإنما الذي يعنينا أنه كلام عربي صُراح، محاذرين أن نحرك نوازع الغيرة وكوامن الفتنة النائمة؛ بذكر قبيلة باسمها. أو بشيء يدل على تفضيلها.
هذا، وليس ثمة ما يمنع قبيلة أن تصطنع لغتها الخاصة في شئونها القاصرة عليها إن شاءت، وأن تصنع لها " نحواً " يلائم تلك اللغة ويساير أصولها، على أن يكون " النحو " العام وحده هو الدستور المشترك بين العرب والمستعربين جميعاً.
هذه أقوم خطة سديدة كان على النحاة القدامى انتهاجها لو أرادوا لنحوهم كمالا وإبراء من الفساد الذي نشكوه، ولا تزال ـ حتى اليوم ـ أقوم الخطط لتدارك ما فات وإصلاح ما فسد وتحقيق ما تهفو إليه النفوس، وربما ساعد عليها اليوم أن أكثر القبائل القديمة قد باد، أو كاد، أو خفت العصبية القبلية فيه، وأن أكثر الناطقين بالضاد اليوم ليسوا من سلالة العرب وإنْ استخدموا لغتهم، ولا يمتون بصلة إلى البصرة أو الكوفة أو غيرهما. فعلينا اليوم أن نتدارك سريعاً ما فات.
ومن المفيد أن أشير إلى أمر هام؛ هو أن المعيب الفاسد من تعدد الآراء النحوية وتشعب مسائلها ما أدى إلى إعنات المتكلم، أو الكاتب، وتضييق آفاق التعبير أمامه، وأخذ الطريق عليه من غير داعٍ؛ كأن نذكر له من أمر " ليس "

ــــــــــ
(1) راجع الصبان، باب العدد، تمييز العدد المركب.