/ صفحه 53/
ألقابه وأسلحته وسمات شرفه، وتنزع منه حقوقه المدنية والسياسية والدينية، ويصب عليه إله الثروة، أو " ألمانا " كما كانوا يسمونه، جام غضبه وسوط عذابه)، إذا لاحظنا هذا سهل علينا أن ندرك كيف وجدت العشائر المشار إليها في هذا النظام وسيلة جيدة للمقايضة وتبادل السلع واستثمار الأموال.
هذا، وقد كان يتوقف على البوتلاتش صحة كثير من العقود وبخاصة عقد الزواج، وكان يتخذ أحياناً وسيلة لبلوغ مأرب سياسي. ففي بعض جزر ميلانيزيا كان في استطاعة زعيم الأسرة، إذا طمح إلى جعل أسرته عشيرة مستقلة، والى رفع لقبه من زعيم مرءوس إلى حاكم مستقل، أن يصل إلى بغيته بتشييد معبد وإقامة بوتلاتش يدعو إليه رؤساء البطون الأخرى ورئيس العشيرة الأكبر.
فما تقدم يتبين أن " البوتلاتش " كان يجري في الحقيقة بين أشخاص معنويين وهي الجماعات والعشائر والقبائل ممثلة في رؤسائها، وأنها لم يكن نظاما اقتصادياً تتبادل به الثروات فحسب، بل كان كذلك نظاماً دينياً وقضائياً تتوقف عليه صحة كثير من العشائر والعقود، ونظاماً عائليا تتوثق بفضله العلاقات وتنظم بفضله المنافسة بين أسرتى العروسين، ونظاما سياسيا يرفع المرءوس إلى صف الرؤساء، ويجعل من الفخذ بطنا ومن البطن عشيرة.
وغني عن البيان أن نظام " الهدايا الملزمة " في شكله القديم نفسه لا تزال آثاره باقية في كثير من معاملاتنا الاجتماعية. فتقديم الهدايا في الأعياد وفي مناسبات الزواج والولادة والختان... وما اعتاده سكان المناطق الزراعية في كثير من البلاد من إهداء شيء من نتاج أرضهم وحيوانهم في مواسم الحصاد لجيرانهم وأفراد العشائر المتصلة بعشيرتهم، ومآدب الطعام التي نقيمها في مختلف المناسبات وندعو إليها الأقرباء والأصدقاء، وحرص المهدي إليهم أو المدعوين أن يردوا إلى المهدين أو الداعين في مناسبات أخرى أحسن مما أهدى لهم أو قدم إليهم... كل ذلك وما إليه بقايا ورواسب خلفها نظام " الهدايا الملزمة "، وصور صادقة لأساليب الحياة الاقتصادية لآبائنا الأولين.