/ صفحه 52/
معينين من العشائر، فذكور هؤلاء يتزوجون من إناث أولئك والعكس بالعكس)(1). وقد جرت العادة أن يجتمع الحفل بجوار مكان مقدس، وقد يجتمعون بمنزل صاحب الدعوة. وجرت العادة كذلك أن يمتاز الداعون عن المدعوين بما يحمله كل منهما من رموز قبيلته وأعلامها وبما يأخذه من زينة في زيه وجسمه. وبعد أن يكتمل عقد اجتماعهم ويؤدوا ما تندب إليه شعائرهم الدينية في مثل هذه المناسبات من صلاة وذكر وغناء وتقرب للآلهة بتقديم القرابين، تجري عملية الإهداء، فيتحف صاحب الدعوة كل مدعو بهدية تتفق مع مكانته الاجتماعية والدينية. وقد جرت العادة أن يستنفد الآدب في وليمته هذه كل ثروته وثروة عشيرته أو جزءاً كبيراً منهما. ومن ثم تطلق قبيلة " الهايدا " على الإهداء في هذه الولائم اسماً غريباً معناه " قتل الثروات " ويعتبر قبول الدعوة إلى هذه الوليمة التزاماً من جانب كل مدعو أن يولم وليمة أحسن منها. فينتهز كل منهم حلول أول فرصة ويقيم " بوتلاتش " يدعو إليه، من بين من يدعوهم، صاحب " البوتلاتش " الأول، ويقدم إليه من المآكل والهدايا ما تزيد قيمته كثيراً عما أخذه منه...
وهكذا دواليك: تتم المبادلات بأسلوب ربوي؛ ولا يكاد يأتي " بوتلاتش " على ثروة عشيرة حتى تردها لها ناميةً مضاعفة " بوتلاتشات " أخرى، فما أشبه الأموال التي تستهلك في هذه الولائم بالأموال التي تقرض بأرباح مركبة أو التي تستثمر في المشروعات الاقتصادية الحديثة
وإذا لاحظنا أن المناسبات التي تقتضي عمل " بوتلاتش " كانت كثيرة الحدوث والتكرر، وأن الإحجام عن عمل " بوتلاتش " عند وجود مناسبة من مناسباته أو عن إجابة الدعوة أو عن قبول الهدايا التي تقدم فيها أو عن ردها أضعافا مضاعفة، كل ذلك كان يجر على القبيلة عاراً أبدياً، ويسمها بميسم الصغارن ويعرض أفرادها ورؤساءها للإمتهان والعقاب: (في بعض هذه الحالات كان يجرد الرئيس من

ــــــــــ
(1) أنظر تفصيل هذا الموضوع في كتابي " الأسرة والمجتمع " الطبعة الرابعة صفحات 34 ـ 37.