/ صفحه 51 /
وكان يتم تقديم هدايا " الكولا " في فصول خاصة من السنة، وفي مناسبات معلومة كالأعياد الدينية، وحفلات الوفاة، وبعض الحوادث العائلية. وكان يتبع في تقديمها قواعد وأساليب دينية كثيرة التعقيد. فمن ذلك أن المهدِي والمهدَي إليه كليهما كانا يتظاهران باحتقار الهدية والحط من شأنها. أما المهدي فكان يقذف بها تحت قدمي المهدي إليه قائلا إنه لم يقدم إلا شيئاً تافهاً، وأما المهدي إليه فكان يتجاهل الهدية الملقاة تحت قدميه، ولا يمد إليها يده إلا بعد مضى فترة غير قصيرة. وبهذه المظاهر كانوا يلبسون صنيعهم ثوباً من الكرم والعظمة والنبل، ويسترون ما يشتمل عليه من عناصر المبادلة وجر المغانم.
* * *
وأما نظام " البوتلاتش (1) " فقد كان متبعاً عند كثير من عشائر الهنود الحمر في الشمال الغربي لأمريكا الشمالية، ويتماز عما عداه من أشكال الهدايا الملزمة بما يقتضيه تطبيقه من المبالغة في التبذير والسرف وتبديد الثروات، وبما ينجم عنه من نتائج ذات بال في حياة العشائر والجماعات، وبما يحيط به من حالات نفسية تتمثل في شدة المنافسة والاندفاع وراء غريزة السيطرة وحب التغلب والعمل على إضعاف الخصم وإظهاره بمظهر العجز. فهو مبادلة من ناحية، وقتال من ناحية أخرى. ولكنه قتال أسلحته الهدايا وقذائفه الأموال؛ وتجري معاركه في أماكن الضيافة، وتدور رحاه بين طائفتين لا تألوا كلتاهما جهداً في إكرام الأخرى والحفاوة بها.
فكان رئيس العشيرة ينتهز مناسبة دينية أو أسرية أو اجتماعية (كحلول عيد ديني أو الولادة أو الختان أو الزواج أو الوفاة أو الوشم الذي كان يعد لديهم من الشعائر الدينية...). فيأدب مأدبة يدعو إليها رؤساء العشائر المرتبطة معها عشيرته برابطة المصاهرة: (فإن الزواج كان يجري عندهم على نظام التبادل بين اتحادين
ــــــــــ
(1) كلمة مأخذوة من لغات الهنود الحمر. ومعناها الأصلي في لغتهم " الاستهلاك " و " التغذية ".