/ صفحه 425/
رأي جديد:
هـ ـ أما التفسير الصحيح في نظرنا، والذي لا يرد عليه أي اعتراض جدي، والذي نقرره مطمئنين إليه، وإن لم ترد به روايةن ولم يعرف عن أحد من قبل: فيتلخص فيما يأتي:
1 ـ إن العرب في الجاهلية كانوا يستضعفون اليتامى والنساء، وكان من مظاهر هذا الاستضعاف:
أنهم كانوا يحرمون الصبي والمرأة من الميراث.
وأنهم كانوا يطمعون في أموالهم إذا كانت لهم أموال غير الميراث أيضاً، فكانوا يخلطونها بأموالهم، ويتبدّلون رديئهم بالجيد منها إذا شاءوا، ويميلون عليها في أزماتهم ولا يتحرجون من إنفاقها في مصالحهم الخاصة.
وأنهم كانوا يعضلون النساء كلما وجدوا سبيلا إلى ذلك، كي ينتفعوا من هذا العضل، فإذا ورث الرجل زوجة أبيه أو زوجة أخيه، كان له أن يعضلها حتى تفتدي منه بمال تدفعه له، وإذا كره زوجته التي معه، علقها فلم يطلقها، ولم يعاملها معاملة الزوجة، وذلك حتى تفتدي منه بمال تدفعه له، وإذا كان تحت يده يتيمة عضلها عن الزواج حتى لا تفلت أموالها منه... وهكذا.
2 ـ وقد جاء الإسلام بإبطال ذلك كله، وجعل لليتامى حقوقا، وارتفع بهم عن أن يكونوا في المجتمع محلا للإستضعاف في صورة من الصور، فلما أخذ المسلمون بتلك الأحكام وشدد النكير على من يظلم اليتامى والنساء، أصبح هناك روح عام متغلغل في المجمع الاسلامي، ذلك هو الخوف من مخالطة اليتامى لئلا يصيبهم الوعيد بالعذاب، فجاء القرآن بالرخصة في ذلك بأباح لهم أني خلطوا أموالهم بأموال اليتامى ما داموا لا يبتغون إلا الإصلاح، وعرفهم بأن اليتامى ما هم إلا إخوانهم، والأخ مأمون على أخيه، والشأن أن يكون بينهما كل مظاهر التعاون بين الإخوة، فانتهت بذلك مشلكة الخلط حيث استجازوه بعد أن كانوا يتحربون منه، وبرزت مشكلة أخرى هي: كيف يمكن أن يقوموا لليتامى بالقسط في كل شيء.