/ صفحه 423 /
اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية ـ فلم ينتهوا عنه ـ فقال تعالى: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية، قال ابن جرير: فقيل لهم كما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء ألا تعدلوا فيهن، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع ولا تزيدوا على ذلك، وإن خفتم أيضاً ألا تعدلوا في الزيادة عن الواحدة، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
* * * *
1 ـ إن هذا الرأي يتصور أمراص مخالفاً للواقع التاريخي في شأن معاملة أهل الجاهلية لليتيم، وخوفهم عدم الإقساط في شأنه، والقرآن الكريم لا يساعد على قبول هذا التصور، لأنه إذا كان اليتيم في الجاهلية ذا شأن معظم، وكان مجتمعهم يخشى عدم الإقساط في شئون اليتامى، إلى الحد الذي يجعل الاية تعتد به، وتقيس عليه شأن النساء كما يقرر هذا القرأي، فما الذي دعا القرآن إلى أن يوصى باليتامى في كثير من آياته، مثل: " أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم " (1) " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده " (2) " وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً " (3).
2 ـ إن الإسلوب الطبيعي ـ إذا كان المعنى على ما يقولون ـ هو أن يقال مثلا: وإذا كنتم تخافون ـ أو: وإذ كنتم تخافون ـ ألا تقسطوا في اليتامى... الخ.
أولا: لن " إذا " تستعمل حيث يكون شرطها متحقق الوقوع، أما " إن " فإنها تستعمل حيث يكون الشرط مشكوكا في وقوعه، فمقام المعنى الذي يذكرونه يقتضي " إذا " لا " إن ".

ــــــــــ
(1) الايتان 1، 2 من سورة الماعون
(2) الاية 152 من سورة الأنعام.
(3) الاية 2 من سورة النساء.