/ صفحه 419 /
أن يكون المهر قنطاراً، فكيف تنهى عن المغالاة مع هذا، فرجع عمر عن نهيه وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر حتى النساء، وفي رواية: أصابت امرأة وأخطأ عمر! وأقول: إن هذه الحجة التي روى أن المرأة احتجت بها ما هي إلا مغالطة، فإن القرآن الكريم ليس بصدد تحديد المهر، وبيان أعلاه أو أقله في هذه الآية، وإنما هو بصدد نهي الأزواج عن الطمع في مهور أزواجهم بالغة ما بلغت إذا أرادوا استبدال زوج مكان زوج، فأتى بهذه الصورة على سبيل المبالغة حتى لا يظن أن عظم المهر مبررٌ للطمع في بعضه، فهي صورة فرضية يكمل بها معنى النهي، ولا تدل على رضا المشرِّع بها، وكل ما تدل عليه هو صحة العقد على المهر المغالي فيه، وشتان بين الصحة وما يؤثره المشرِّع ويحبه للمصلحة والتخفيف عن الناس، ونهيهم عن كل ما يصعب عقد الزواج. وشبيه بهذا ما روى من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصراً في الجنة " فإن هذه مبالغة في ترتب الجزاء حتى على المسجد الصغير، ولا يجئ في الحسبان أن يرغب الناس في إنشاء مساجد منها ما هو قدر مفحص قطاة! وإذن فالنظرية التي جاءت بها هذه الرواية على لسان عمر بن الخطاب نظرية سليمة متفقة مع روح الإسلام في التيسير، ومع حبه لقيام عقد الزوجية، وترغيبه فيها، أما قول المرأة ففيه من المغالطة ما لا يخفي على مثل عمر في قوة تفكيره، وعمقه الفقهي، ولذلك لا أميل إلى تصديق هذه القصة، وأرجح أنها من القصص المصنوعة لغرض معين قد يكون هو بيان إنصاف عمر، وسرعة رجوعه إلى الحق، وما أغناه عن التصيُّد له لو كانوا يعلمون.
هذا هو الاستطراد الذي أردناه، وليس غريباً عن الموضوع، فإنما نريد به أن نبين رأينا في أن المهر إن زاد أو نقص ليس له في نظر المشرع هذه الأهمية التي تجعله يفتح باب التعدد باثنتين وثلاث وأربع من أجله، أو من أجل كماله.
ونعود بعد هذا إلى باقي ما يرد على رواية عائشة رضي الله عنها من اعتراضات:
ثالثاً: لأن لفظ " اليتامى " شامل للذكر والأنثى، وعائشة رضي الله عنها تجعل المراد به في الاية هو الاناث، أي اليتيمات ليلتئم لها القول بأن الخفو من عدم الإقصاط إنما هو عند رغبة الوصي في نكاح يتيمته دون أن يوفي لها مهر مثلها.