/ صفحه 418/
وروى عنهم ما يخالف تفسير عائشة، فما علينا نحن أن نخالفها أيضاً إذا تبين لنا أن وجه الحق في غير ما تقول مع إجلالنا لمقامها العظيم، رضي الله عنها.
وهذه هي الاعتراضات:
1 ـ إذا كان الغرض نهي " الأوصياء " عن ظلم اليتيمات بالزواج منهن دون إعطائهن مهر مثلهن؛ فإن أسلوب التعبير عن ذلك، إما أن يكون نهياً صريحاً عن هذا بأن يقال مثلا: لا تبخسوا اليتيمات مهورهن، أو إيجاباً صريحاً لحقهن في ذلك بأن يقال مثلا: آتوهن مهورهن كاملة، أما أن يقال لإفادة هذا المعنى: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع... " الخ، فهذا بعيد.
أولا: لأنه ليس نهياً مباشراً عن عدم الإقساد في اليتيماتن والغرض المسوق له اكلام في الايات كلها يقتضي أن يعبر عن ذلك بأسلوب النهي المباشر، إذا المراد تشريع ما يحفظ على اليتامى أموالهم.
ثانياً: لأن كلمة " تقسطوا " لا تختص بالإقساط في دفع المهور فحسب، فالإقساط هو القيام بالقسط في كل شيء، وهو الذي جاء التعبير عنه في الاية الاخرى بقوله تعالى: " وأن تقوموا لليتامى بالقسط "، فحمله على ناحية معينة هي ناحية المهر تحكمُّ، وما أبعد المهر عن أن يكون له هذا الاعتبار القوي في نظر المشرع حتى إنه من أجل المحافظة على إيصاله كاملا غير منقوص ليتمية تخطب؛ يصرف الأكفاء عنها، ويفتح باب التعدد من غرها صيانة لبعض مالها، وهل هذا يتفق وروح الإسلام الذي يتجلى في مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " التمس ولو خاتماً من حديد".
وهنا نأتي بموضوع موجز على سبيل الاستطراد، وهو أنهم يروون أن عمر رضي الله عنه كان يخطب على المنبر ذات يوم فنهى عن التغالي في مهور النساء، فقالت له امرأة: يا عمر إن نهيك هذا ينافي قوله تعالى: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً " (1)، فقد أباح الله تعالى
ــــــــــ
(1) الاية 20 من سورة النساء.