/ صفحه 415/
وشيء آخر نلاحظه في نص هذه الاية، وهو مجئ هذا الحكم جواباً لشرط، والشأن ألا يتحقق المشروط إلا مع تحقق الشرط، لارتباط بينهما لاحظه المتكلم.
ولكن هذا الشرط يبدو غريباً عن المشروط، فما هي العلاقة المعنوية بين " خوف عدم الإقساط في اليتامى " وإباحة تزوج ما طاب من النساء " مثنى وثلاث ورباع "؟.
هذه ثلاث ملاحظات، أو ثلاثة أسئلة، لا نكون مسرفين إذا قلنا: إن ما من باحث منصف لنفسه، حريص على الاقتناع القلبي إلا بدت أمامه، وكان عليه قبل كل شيء أن يدرسها.
فتعال معي ـ أيها القارئ ـ إلى المفسرين، لنرى ما يسوقونه من الآراء والروايات في هذه الاية، فلعله يلقى ضوءاً يعيننا على ما نريد من فهم الامر فهماً واضحاً صحيحاً.
أشهر الآراء:
1 ـ رأي عائشة:
في الصحيحين وغيرهما عن عروة بن الزبير أنه سأل خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن هذه الاية فقالت: يا ابن أختي. هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يشركها في مالها. ويعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط لها في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سُنَّتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طالب لهم من النساء سواهن ـ قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذه الاية فيهن، فأنزل الله عزوجل: " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن " (1). قالت: والذي ذكر الله انه يتلى عليكم في الكتاب الاية الاولى التي قال الله فيها: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى

ــــــــــ
(1) الاية 127 من سورة النساء.