/ صفحه 399/
وما في الصوم من إمساك عما تشتهي النفس، عما تشتهيه البطن، ويشتهيه الفرج، ويشتهيه الفم، وتشتهيه القدم من الخطي إلى الفساد... يحمل على تخفيف حدة الأنانية. وإذا أنانية النفس اقتربت في المشاركة مع الغير، وتوازنت واعتدلت معها في السلوك والتعامل.
وما في الزكاة من إعطاء للمال يدرب النفس عملياً على المشاركة المالية، بجانب المشاركة الوجدانية. وذلك بدوره يدعو إلى التوازن والاعتدال.
على أن بجانب أن العبادات في الإسلام تعد الإنسان إلى المظهر الاول من مظاهر الرشيد، وهو مظهر " الفصل " بين وجود الذات ووجود الغير، والاعتراف بوجود الغير كالاعتراف بوجود الذات نفسها ـ فإنها من جانب آخر تحمل الإنسان على الصبر، وتحمل المسئولية. ومواجهة الأزمات. وكلها من مظاهر الرشد والنضج الإنسان. إن الذي يؤدي الصلاة والزكاة والصوم يشعر شعوراً واضحاً بمسئوليته أمام الله، كما أنه يفيد منها في مواجهة الضيق وتغير الحال. وما أزمة الإنسان إلا مفاجأة في تغير الحال التي كان عليها.
3 ـ أما الاعتقاد بالجزاء الأخروي فهو الموقظ الدينية على أن تؤدي وظيفتها من العمل الصالح. هو المحرك لها في صمت. فالمعتقد في هذا الجزاء سيتصور هذه المراحل: أنه حي اليوم، وأنه سيموت غداً، وأنه سيبعث بعد غد، ليجازي عن عمله في المرحلة الأولى وهي مرحلة الحياة. وأن جزاءه الأخروي سيحصل عليه بكل دقة: " وم يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما ". وهذا التصور سيدفعه إلى العمل الصالح، أي العمل المعتدل المتزن، أي العمل الذي لا يصدر إلا من رشيد ناشج في الانسانية.
وهنا يندفع الإنسان المؤمن إلى العمل المثمر، إلى العمل الرشيد، دون حاجة إلى رقابة خارجية عنه، دون دفع من سلطة تنفيدية، كتلك السلطة التي كونها المجتمع الحديث لحماية القانون الذي يضعه المجتمع.
وإذا أدى أفراد المجتمع واجبهم بدافع من ذواتهم، فكل فرد منهم، عن طريق أداء هذا الواجبن سيأخذ حقه، وستراعي حرمته.