/ صفحه 398/
وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية". والعمل الصالح هو الذي يقوم على الاعتدال والتوازن؛ هو الذي يقوم علىالاعتراف بوجود الفرد مع غيره، وبمشاركته له في الحياة، ثم بمراعاة هذه المشاركة في التصرف والسلوك. هو الذي يقوم على الاعتراف بحرمات الغير ورعاية هذه الحرمات، وعلى الاعتراف بحقه في أن يعيش ورعاية هذا الحق. " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله اليك، ولا تبغ الفساد في الارض؛ إن الله لا يحب المفسدين". فهنا أقر الإسلام الإنسان على أنه طبيعة تعيش في هذا الوجود الأرضي، وأن له الحقَّ في تحصيل ما في الحياة من متع، ولكن وجهه بألا يبقى في حدود " أنا " ـ الأنانية ـ، وجه لأن يعترف بكيان غيره، وأن يحسن إليه، وان يكون صنعه معه صنعاً حسنا، يحسن إليه من جاهه إن كان له جاه، ومن ماله إن كان له مال، ومن صحته إن كان قوى الصحة، ومن علمه ومعرفته إن كان ذا علم ومعرفة... وهلم جرا. ثم أكد عيــ ألا يصرف ما يحصله من هذه الدنيا ـ ومنه قوى ذاته وإنكانياته كإنسان ـ في العبث والإفساد. وهذا كله معنى قوله: " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة". أي لا تقصر نظرتك على وجودك الخاص في الأرض التي تعيش فوقها، بل راقب صاحب الأمر في الدار الآخرة، وهو الله. ومراقبة الله هي السير وفق تعاليم رسالته. ورسالته هي رسالة الإقرار بالمشاركة في الحياة، والانسانية، والتعامل طبقاً لهذا الإقرار بحيث يكون هناك توازن واعتدال.
ونحن قد وجدنا أن أهم ظاهرة تمثل الرشد الإنساني هي الفصل بين " أنا " و " الغير " في المجتمع الانساني، والفصل بين القيم وعدم الخلط بينها.
أما العبادات التي أتى بها الإسلام فهي المعبئة للنفس نحو هذا العمل الصالح، وهو العمل المعتدل المتوازن. فما في الصلاة من ذكر الله ووقوف بين يديه خمس مرات في اليوم يدفع النفس دائما نحو هذا العمل: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". وليست الصلاة هي ما لها من ركوع وسجود يؤدي، بل ما فيها من تمثل لكمال الله وجلاله.