/ صفحه 382/
والكاتب الاهتداء إلى الحركة المطلوبة والضبط الصحيح فيما يقع بعدهما، وكأنَّ هذا العامل أمارةٌ قاطعة على المطلوب، ورائد لا يُضَلِّلُ. أما العالم " المتكلم " فلن يعرف ضبط أواخر الكلمات، وما يتصل بها، وما ينشأ عن تصرفها إلا إذا كان عربياً أصيلا؛ ينطق اللغة العربية بفطرته، وتجري على لسانه طائعة بغير أمارات مرشدة، ولا علامات يستوحيها الضبط، ويستبينها ما يتطلبه المقام من حركة دون حركة، ومن ضبط دون آخر، فالأخذ برأي الجمهرة في أمر " العامل " إنما هو أخذ بالأيسر؛ عملا، وتطبيقاً، وإفادة، بالرغم من أنه ليس هو الحق في الواقع المقطوع به؛ ذلك أن الواقع اليقيني يقطع بأن الذي يجلب الحركات ويغيرها ويداور بينها إنما هو: المتكلم؛ ما في ذلك شك. ولكن لا بأس أن ننسى أونتناسى هذا الواقع ما دامت الفائدة محققة في النيسان أو التناسي، والضرر لا أثر له. إنما الضرر كل الضرر أن نسبغ على هذا العامل المصنوع ألواناً من القوة، وصنوفا من المزايا تجعله يتحكم ـ بغير حق ـ في المتكلم، ويفسد عليه تفكيره، ويعقوه في الأداء، ويتناول كلامه الصحيح الفصيح بالتشويه والتجريح، ويفرض عليه طرقا خاصة في التعبير تستمد سلطانها مما أسبغة النحاة على ذلك العامل، لا مما جرى على ألسنة الفصحاء من العرب الخلص، أو مما جاء به التنزيل الحكيم (1)... وإليك من الأمثلة العجيب الذي يغني في الإبانة عن الإطالة.
أ ـ إذا قلت: محمد ـ هاجماً ـ أسد. كان المثال خطأ عند جمهرة النحاة، على الرغم من شيوع كل هذا التركيب، وشدة الحاجة البيانية إليه في الأساليب المختلفة. إذ يترتب على صحته وقوع الحال من المبتدأ، وهذه الجمهرة لا ترضى أن يكون صاحب الحال مبتدأ. لماذا؟ لأن العامل في الحال عندهم يجب أن يكون هو العامل

ــــــــــ
(1) من الغريب ان يقول النحاة ـ كما أشرنا في مكان آخر ـ إن القرآن قد يخرج على غير الغالب كما في قراءة التنوين في قوله تعالى: " ثلاثمائة سنين " وقوله تعالى: " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا " راجع الصبان باب العدد عند شرح قول ابن مالك:
(وميزوا مركباً بمثل ما ميز عشرون فسوينهما)