/ صفحه 354/
للأحكام الإسلامية في عرفة، والأئمة الراشدون كانوا يتولون بأنفسهم رياسة موسم الحج، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يتخذه طريقاً لتعرف أحوال المسلمين، وأحوال الولاة، ويلتقى بجميع ولاة الأقاليم فيه، ويتبادل معهم الرأي والشورى في شئون المسلمين، واتخاذ التوصيات اللازمة لإدارة دفة الحكم في الأقاليم عامة، وفي كل إقليم خاصة.
وعلماء الحديث كانوا ينتهزون فرصة الحج ليتبادلوا الرواية، والتقاء التلاميذ بشيوخهم، وأخذ الأقران بعضهم عن بعض، والفقهءا يتلاقون في موسم الحج، ويتذاكرون مسائل الفقه، وكل فقيه يعرض على صاحبه كثيراً مما يسأل عنه في مدرسته، وما ينتهي إليه، فيلتقي أبو حنيفة بمالك، ويتذاكرون، ويقول أبو حنيفة في مالك: ما رأيت أسرع منه بجواب صحيح، ويقول مالك في أبي حنيفة: إنه لفقيه، ويلتقي أبو حنيفة بالأوزاعي، ويتذاكرون، ويلتقى أبو حنيفة بالامام محمد الباقر، وابنه الإمام جعفر الصادق، ويلتقي الإمام أحمد بالإمام الشافعي.
وهكذا كان الحج في الماضي سبيل التعارف الاسلامي، وإنه يجب علينا أن نعود به إلى ما كان عليه السلف الصالح، فنجمع فيه بين العبادة والنسك، وبين المصلحة العامة للمسلمين، وليتحقق قوله تعالى: " ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ".
وإن تنظيم الحج بحيث يكون سبيلا من سبل التعارف يقتضي عملا من الحكومة الإسلامية القائمة على سدانة البيت الحرام والمسجد النبوي، فإن عليها أن تتعرف بالعلماء الذين يقومون بفريضة الحج، وتقيم ندوات علمية بينهم، فالفقهاء يجتمعون في ندوات تتدارس الفقه، والاقتصاديون يجتمعون في ندوة تتدارس الاقتصاد الاسلامي، والسبيل إلى نموه، وكذلك المهندسون والأطباء، وبذلك يشهد المسلمون منافع لهم وينفذونها.
اللغة العربية:
6 ـ وإنه لا يمكن أن يتحقق تعارف حقيقي بين المسلمين إلا إذا وجدت