/ صفحه 350/
يبهرهم كل جديد، فماذا يكون موقفنا تجاه هذه الأمور؟ إن هناك قوانين تنظم روابط الأفراد بالهيئات، وتجعل لهذه اشخصيات معنوية أو اعتبارية، وترتب لها حقوقاً، وتفرض عليها واجبات، وتنظم ملكية الفضاء وطبقات الأبنية، وملكية الاختراعات، وتحدد أنظمة المعاملات، فماذا نصنع في كل ما يحدث من شؤون؟.
إننا أمام أحد أمرين: إما أن نستسلم للقوانين الوضعية على اعتبار أن فقهنا عاجز عن معالجة ما جد ويجد من أمور، وإما أن نقر بأن هناك اجتهاداً، وأن مجاله هو هذا المجال.
ولا أظن أن مسلماً يرضى بأن نأخذ بالقوانين الوضعية التي لا تمت إلى ديننا بصلة، بدلا من أن نستنبط حكم الله من شريعتنا الحية الخالدة.
على أن الاجتهاد نفسه له قيود، فليس المجتهد من يحفظ قواعد الاستنباط كما يحفظ التلميذ كتبه الدراسية، بل لابد من أن تكون له ملكة الاستنباطن وليس كل من حصل على ملكة الاستنباط يؤخذ بقوله، بل لابد بجانبها من ملكة العدالة.
وأي رج ليتسع علمه إلى درجة تمكنه من الاستنباطن ويكون له من الاستقامة والتقي والورع ما يحقق له ملكة العدالة، يغلب ألا يقع في خطأ أو يتورط في متابعة الهوى.
وإذا كان بيان حكم الإسلام في ماجد ويجد من مسائل ـ سواء أكان الحكم بالسلب أو الإيجاب ـ يحتاج إلى دراية بها، ودراسة لنظمها، وإلمام بما يدور حولها من آراء، فإن الفقه يتقبل هذا، وفقهاؤنا يرحبون به كما رحب أسلافنا بمثله فألموا بعلم الهيئة (الفلك) ليعرفوا القبلة ومواقيت الصلاة، واختموا بدراسة الرياضيات لينتفعوا بها في تحديد أنصبة المواريث، ونبغ منهم كثيرون في هذين العلمين. هذا هو تاريخ الفقه الاسلامي مجملا، ولكنه واضح كل الوضوح، وللمسلمين في عصرنا الحاضر أن يأخذوا منه العبرة التي تجعلهم حراصاً على شريعة الله كما حرص أسلافهم الصالحون، والتي تجعلهم يفتحون إفاقاً جديدة أمام الناظرين في هذه