/ صفحه 348/
المستفتي إذا أتاه يقول له: إذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم. كان بعضهم يصلي خلف بعض مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم رضي الله عنهم يصلفون خلف أئمة المدينة وإن كانوا لا يقرأون البسملة، لا سراً ولا جهراً. وصلى الرشيد إماماً وقد احتجم فصلى الإمام أبو يوسف خلفه ولم يعد، وكان إفتاء الإمام مالك بأنه لا وضوء عليه.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب؟ وصلى الشافعي رحمه الله قريباً من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله، ولم يقنت تأدباً معه.
على أن الفكرة التي أرادها المنصور في أواخر القرن الثاني وصرفه عنها الإمام مالك، وقد نفذها خليفة عباسي آخر قبل منتصف القرن الرابع، فحصر المذاهب في أربع، وبذلك ميز مذاهب، وترك مذاهب، ولم يأخذ عن أئمة أهل البيت مذهباً، ولعل هذا يرجع إلى ما بين العباسيين وآل علي من خلاف معروف.
بيد أن حصر المذاهب في الاربعة أدى ببقية المذاهب إلى الانعزال أو الاندثار. أما الانعزال فيتمثل في الشيعة التي تتمسك بآراء أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، عملا بالاحاديث النبوية الكثيرة التي وردت بشأنهم، والتي ذكرت في كتب الشيعة والسنة على السواء، فهؤلاء الشيعة من إمامية وزيدية عكفوا على مذهب أئمتهم، " أئمة أهل البيت (عليهم السلام) " ولم يقفلوا باب الاجتهاد عندهم، ومن هنا كانت المقاطعة التي عزلت هذا الفريق الكبير من المسلمين عن بقية إخوانهم، وإن لم تقض عليه.
أما الاندثار فيتمثل في مذاهب عدة لفقهاء من أعلام أهل السنة قضى عليها حصر المذاهب فلم يعد لها وجود كمذاهب لها أتباعها ومراجعها. أين مذهب الليث ابن مسعود؟ أين مذهب الثوري؟ أين مذهب الظاهري؟ أين مذهب الزهري؟ أين مذهب الاوزاعي؟ أين مذهب اسحاق بن راهويه؟ هؤلاء كان لهم مذاهبهم