/ صفحه 347/
من بلاد المسلمين سبق اليهم من قبهل علم عن غيره أخذوا به وعرفوا أنه الحق، فكيف يحملون على غير ما يعلمون، كل هذا دعا مالكاً إلى أن يقول للمنصور وهو يعلل إباءه قبول ما عرضه عليه أن الناس قد سبقت اليهم أقاويل... فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
إن مالكا حين أشار على صاحبه أن يدع الناس وما اختاروا لأنفسهم لم يشر عليه بذلك لأنه لا يعتد بأمر المسلمين أو لا يعبأ بهم، ولكنه أشار عليه بذلك لأنه هو الخير كل الخير، وهو الموافق لما أراده الله عز شأنه حين وضع شريعته هذا الوضع الحكيم الرحيم، ولا يعقل أن يكون مالك قد أراد مع ترك الناس وما اختاروا أن يتعصبوا لما عندهم، وأن يحتربوا عليه فيما بينهم، وأن يطقعوا في سبيل التعصب له ما أمر الله به أن يوصل من أخوة الإيمان وتعاون الإسلام.
* * *
ولم ينفرد مالك بالنهي عن اتباعه في كل ما قاله به وإلغاء ما سواه، فقد حدثنا التاريخ عن سائر الائمة بمثل ما حدثنا به عن مالك.
فأبو حنيفة كان يقول: لا ينبغي لمن لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي. وكان إذا أفتى يقول: هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاء بأحسن منهو فهو أولى بالصواب.
والامام الشافعي كان يقول: ليس لأحد مع الله ورسوله كلام. وقال يوماً لرجل، لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة.
ولقد كانت سيرة سلفنا هؤلاء في ثقة بعضهم ببعض، وعذر بعضهم لبعض في كثير من الأحيان آية من آيات الله في الاخلاص وحسن النية، والاحتفاظ بما ينبغي أن يكون بين أهل العلم والدين من أخوة. رحم الله سعيد بن المسيب، كان